الطحاوى من ذلك ، وانتقل إلى أبى جعفر بن أبى عمران الحنفى واشتغل عليه بمذهبه ، وصار رأسا فيه.
كان يقول : رحم الله خالى ـ يعنى أبا إبراهيم إسماعيل بن يحيى المزنىّ ـ لو كان حيّا لكفّر عن يمينه ـ يعنى قوله : والله لا أفلحت ـ قال بعض المشايخ : ما أراه كان يكفّر عنه ، إذ المعتقد أنه انتقل من الصواب إلى الخطأ لمن يعتقد ذلك فيه ، ولم تجب الكفّارة لمن حلف على عدم ذلك.
وكان يلبس الصوف على جلده ، فقال له بعض تلامذته : يا إمام ، لم لا تلبس ثيابا فاخرة؟ فقال : يا بنىّ ، هذا كثير فيمن يموت. وكان مجاب الدعوة. وكان كثيرا ما يقول : من طهّر قلبه من الحرام فتحت لدعوته أبواب السماء.
وكان «تكين» الجبّار يحبه محبة عظيمة ، فأرسل إليه فى وقت وقال له : هل لك فى أن أزوّجك ابنتى؟ قال : لا. قال له : فاسألنى أرضا أقطعكها.
قال : لا. قال : فاسألنى ما شئت. قال : وتسمع؟ قال : نعم. قال : احفظ دينك كيلا ينفلت منك كما تنفلت (١) الإبل من عقالها ، واعمل فى فكاك نفسك ، وإيّاك ومظالم العباد ، فإن الله تعالى يقول : «اشتدّ غضبى على من ظلم من لم يجد غيرى ناصرا». فاحذر أن يشتد غضبه عليك.
وكان للطحاوى نظم رائق ونثر فائق ، فمنه ما كان جوابا عن سؤال وردّ صورة السؤال :
أبا جعفر ما ذا تقول فإنّه |
|
إذا نابنا خطب عليك نعوّل (٢) |
ولا تنكرن قولى وأبشر برحمة |
|
من الله فى الأمر الذي عنه تسأل |
أفى الحبّ من عار أم العار تركه |
|
وهل من لحا أهل الصّيانة يجهل (٣)؟ |
__________________
(١) فى «م» : «ينقلب» مكان «ينفلت» فى الموضعين.
(٢) الخطب : الأمر الشديد ينزل .. ونعوّل : نعتمد ونتكل.
(٣) لحا : لام وقبّح وعذل.