فنقل ودفن بالجيزة بمحلّ هناك ، فنبت العشب والكلأ على عادته بالجهة البحرية ، ولم ينبت بالجهة القبلية شىء ، فنقل ودفن فى صندوق من الرخام بمحل المقياس ، وهو وسط النيل ، لتعم بركته الجانبين ، فأقام بهذا المحل مدة ، نحوا من ثلاثمائة سنة ، إلى أن حمله موسى عليه السلام [بعد أن قال له بنو إسرائيل : إن يوسف](١) ، لمّا حضرته الوفاة أخذ علينا موثقا من الله ألّا نخرج حتى ننقل عظامه معنا .. قال : فأين قبره؟ قالوا : علمه عند امرأة عجوز من بنى إسرائيل .. فبعث إليها ، فأتته ، فقال لها : دلينى على قبر يوسف .. فقالت له : لا أدلّك على قبره حتى تسأل لى ربك أربعة أشياء : تسأله أن يطلق لى رجلاى ، ويردّ علىّ بصرى ، وشبابى ، وأن أكون معك فى الجنة ..
فكبر ذلك عليه ، فأوحى إليه أنّ الله أعطاها ما سألته .. ففعل ، وردّ الله عليها بصرها ، وشبابها ، وإطلاق رجليها ، فتوجهت بهم إلى المحل المذكور ليلا ، فاستخرجوا الصندوق ، فلما فتحوه طلع القمر وأضاء الأرض مثل النهار ، فحملوه معهم ، ودفن فى قبر عند آبائه بالأرض المقدسة ، وكان هذا الأمر معجزة لموسى عليه الصلاة والسلام.
* * *
حكاية :
قال مالك بن دينار (٢) : مررت ببعض أودية الجبل المقطم ، فرأيت إنسانا سائحا ، فظننت أنه مجنون ، فنادانى هاتف من بين الجبال : ليس الأمر
__________________
(١) ما بين المعقوفتين زيادة من عندنا لاستقامة السياق والمعنى.
(٢) هو مالك بن دينار البصرى ، أبو يحيى ، من رواة الحديث .. كان ورعا ، يأكل من كسبه ، ويكتب المصاحف بالأجرة ، وكانت وفاته بالبصرة سنة ١٣١ ه.
[انظر ترجمته فى الأعلام ج ٥ ص ٢٦٠ ، ٢٦١ ، وحلية الأولياء ج ٢ ص ٣٥٧ ـ ٣٨٨ ، ووفيات الأعيان ج ٤ ص ١٣٩ ، ١٤٠].