وقيل له : لو وقفت للخليفة ورفعت قصّتك وعرّفته حالك أعطاك ما يحصل لك به الغنى. فقال : والله تلك العلامة على شقاوة العالم إذا وقف بباب السلطان ، لا يرانى الله تعالى واقفا أبدا (١) بباب أحد من أبناء الدنيا.
وكان ـ رضى الله عنه ـ يحب المصافحة ، لحديث أنس بن مالك ، رضى الله عنه ، عن النبي صلّى الله عليه وسلم ، أنه قال : «ما من مسلمين التقيا فأخذ أحدهما بيد صاحبه إلّا كان حقّا على الله تعالى أن يحضر دعاءهما ، ولا يفرّق بين أيديهما حتى يغفر لهما. وما من قوم يذكرون الله تعالى لا يريدون بذلك إلّا وجهه ، إلّا ناداهم مناد من السّماء أن قوموا مغفورا لكم ، قد بدّلت سيّئاتكم حسنات» أخرجه أحمد.
وعن البراء بن عازب قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم : «إذا التقى المسلمان فتصافحا وحمدا الله تعالى واستغفراه غفر لهما».
وعن قتادة قال : «قلت لأنس بن مالك : أكانت المصافحة فى أصحاب رسول الله ، صلّى الله عليه وسلم؟ قال : نعم». أخرجه البخارى.
وحكى أنّ بعض الفاطميين جلس مع بعض أصحابه فتحدث معهم ، فقال لهم : هل فيكم من يعرف سبب قول القائل : «لا يفتى ومالك بالمدينة»؟
فسكتوا كلهم وقالوا : إن كان ولا بد فعلم هذا يوجد عند عبد الوهاب البغدادى. فقال الخليفة : هل هذا يوجد عنده؟ قالوا : نعم. قال : قوموا بنا إليه ولا تعرّفونى إليه. فقالوا : حبّا وكرامة.
فقام الخليفة ومن معه حتى جاءوا إلى منزل القاضى عبد الوهاب ، فطرق الخليفة الباب ، فخرج إليه الشيخ عبد الوهاب ، وأذن له ولمن معه بالدخول ، فدخلوا ، فقال له الخليفة بعد أن سلّم عليه : يا مولاى ، هل فى ذكركم لأىّ سبب قيل : لا يفتى ومالك بالمدينة؟ فقال الشيخ : نعم ، بلغنى أنّ مالكا ـ
__________________
(١) فى «م» : «قط».