وعن أحمد بن خلاد قال : قال لى رجل من أولاد الفضل بن الربيع (١) : بعث إلىّ هارون الرشيد فى ساعة لم تكن العادة أن آتى فى مثلها ولا أدعى ، فأسرعت إلى أن وقفت بين يديه ، فقال لى وهو فى غاية الحنق : يا فضل ، قلت لبيك يا أمير المؤمنين. قال : ما فعل الحجازىّ (٢)؟ قلت : هو بالباب يا أمير المؤمنين. قال : أدخله. فانطلقت وقلت له : ادخل. فقام وهو يحرك شفتيه ، فلما دخلنا عليه قام له الرشيد ، وأقبل إليه يمشى ، ثم قال له : لم تر من حقنا على نفسك أن تزورنا حتى بعثنا إليك ، وقد أمرنا لك بعشرة آلاف درهم. فقال : لا أرب لى فيها (٣) يا أمير المؤمنين. فقال له بالقرابة التى بينى وبينك إلّا ما أخذتها ، احملها معه يا فضل.
فلما خرجنا وسكن عنه الرعب قلت له : رأيتك تحرك شفتيك بشىء ، فما الذي قلت؟ قال : حدّثنى مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر ، أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم دعا يوم الأحزاب على قريش فقال : «اللهم إنّى أعوذ بنور قدسك ، وعظمة طهارتك ، وبركة جلالك ، من كل آفة وعاهة ، ومن طارق الليل والنهار ، إلّا طارقا يطرق بخير ، يا رحمن. اللهم أنت ملاذى فبك ألوذ ، وأنت عياذى فبك أعوذ ، وأنت غياثى فبك أغوث. يا من ذلّت له رقاب الجبابرة ، وخضعت له مقاليد الفراعنة ، أعوذ بك من خزيك ، ومن كشف سترك ، ومن نسيان ذكرك ، والانصراف عن شكرك ، أنا فى كنفك ليلى ونهارى ، ونومى وقرارى ، وظعنى وأسفارى ، ذكرك شعارى ، وثناؤك دثارى ، لا إله إلّا أنت ، تعظيما لاسمك ، تكريما لسبحات وجهك ، أجرنى من خزيك ومن شرّ عقابك ، واضرب علىّ سرادقات حفظك ، وأدخلنى فى حفظ عنايتك ، وعد علىّ بخير منك يا أرحم الراحمين».
__________________
(١) فى «م» : «الفضل الربيع» خطأ ، والصواب ما أثبتناه.
(٢) يريد بالحجازى : الشافعى. [وانظر القصة فى الحلية ج ٩ ص ٧٨ ـ ٨٠].
(٣) أى : لا حاجة لى بها.