السماوية. (قالَ فَاشْهَدُوا). أي قال الله بلسان أنبيائه للأمم : ليشهد بعضكم على بعض بأنه أقر بنبوة محمد (ص) ووجوب مناصرته. (وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ). ان الله وملائكته وأنبياءه يشهدون على أخذ هذا الميثاق من علماء الأديان وإقرارهم به .. ولكن برغم ذلك فقد أنكر أحبار اليهود والنصارى هذا الميثاق ، وكذبوا محمدا ، ونصبوا له المكائد والمصائد ، كما سبق ذلك مفصلا فيما تقدم من الآيات.
(فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذلِكَ). أي من أعرض عن الايمان بمحمد بعد أخذ الميثاق عليه ، والإقرار بمحمد ووجوب مناصرته (فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ). المراد بالفسق هنا الكفر ، لأن كل من حرّف آية من كتاب الله ، أو أنكر نبيا من أنبياء الله على علم منه بنبوته فهو كافر.
(أَفَغَيْرَ دِينِ اللهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً). الاستفهام هنا للإنكار والتوبيخ ، والمراد بالإسلام الانقياد والخضوع. وكل الناس تؤمن بالله من غير فرق بين الصالح والطالح ، سوى ان الصالح يؤمن بالله طوعا في هذه الحياة ، والطالح يؤمن به كرها يوم القيامة ، حيث ينكشف الغطاء ، ويرى كل جاحد البأس والعذاب وجها لوجه ، قال تعالى : (فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنا بِما كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ) ـ ٨٤ غافر».
وهذا المعنى الذي فسّرنا به طوعا وكرها لا يصعب على أحد فهمه وهضمه مهما كان مستواه .. ولكن الرازي فسّر (طَوْعاً وَكَرْهاً) تفسيرا فلسفيا على طريقته ، وما قاله قريب الا انه للخاصة ، لا للعامة ، وننقله لأولئك لا لهؤلاء ، قال :
«ان كل ما سوى الله سبحانه ممكن لذاته ، وكل ممكن لذاته فإنه لا يوجد الا بإيجاده ، ولا يعدم الا بعدمه ، فإذن ، كل ما سوى الله منقاد خاضع لجلال الله في طرفي وجوده وعدمه ، وهذا نهاية الانقياد والخضوع».