(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ). كل من فعل الواجبات ، وتجنب المحرمات فقد اتقى الله حق تقاته .. وعليه يكون معنى الآية مرادفا لقوله تعالى : (فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) ـ ١٦ التغابن» ، لأن ما لا يستطاع لا يتناوله التكليف ، وكل ما لا يمكن التكليف به فهو أجنبي عن التقوى .. أما قوله تعالى : (فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) فهو نهي عن ترك الإسلام ، وأمر بالثبات عليه ، حتى الموت.
(وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا). الحبل معروف ، ويستعمل في الواسطة التي يتوصل بها الى المطلوب ، والمراد بالحبل هنا الإسلام ، ومعنى الآية بمجموعها ان المسلمين ما داموا أتباع دين واحد ، ورسول واحد ، وكتاب واحد ، فعليهم جميعا أن يراعوا هذه الرابطة الدينية التي هي أقوى من الرابطة النسبية ، وان يحرصوا عليها ، ويعملوا بموجبها ، ولا يتفرقوا شيعا وأحزابا.
وتسأل : أليس في هذه الدعوة الى التكتل الديني نوع من العصبية الدينية؟ الجواب : كلا ، ان تدعيم الرابط بين اتباع الدين الواحد ، تماما كتدعيمها بين أفراد الحزب الواحد ، أو الأسرة الواحدة .. ولا تلازم بين هذا التدعيم ، وبين التعصب ضد الآخرين .. بل على العكس بالنسبة الى الإسلام ، حيث يدعو الى التعاطف والتآلف بين جميع أعضاء الاسرة الانسانية بصرف النظر عن أديانهم وأفكارهم وقومياتهم .. وعليه تكون الاخوة الاسلامية قوة ودعامة للاخوة الانسانية.
وتجمل الاشارة إلى أن الجماعة الذين يجب التعاون معهم ، ويحرم الخروج عليهم هم الذين اجتمعوا وتعاونوا على ما فيه لله رضى ، وللناس صلاح ، أما مجرد التجمع دون أن تترتب عليه أية فائدة مرضية فليس بمطلوب إلا من حيث عدم الشقاق والنزاع. قال الإمام علي (ع) : «الفرقة أهل الباطل وان كثروا ، والجماعة أهل الحق وان قلوا .. وبهذا نجد تفسير الحديث الشائع : «يد الله مع الجماعة» أي خصوص المجتمعين المتعاونين على الحق ، أما إذا اجتمعوا على الباطل فلا أحد معهم إلا الشيطان.
(وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً). يذكّر الله المسلمين الأول بما كانوا عليه من الإحن والبغضاء والحروب