بعدهم ، وبعد ان اتفق أهل التفسير على هذا اختلفوا فيما بينهم على نوع الذلة والمسكنة التي لازمت اليهود ، والتصقت بهم في كل جيل.
وهذا الاختلاف بين المفسرين ناشئ عن اختلاف أوضاع اليهود في عصر التفسير ، حيث كانوا يدفعون الجزية للمسلمين .. أقصد ان قول المفسر جاء انعكاسا لما كان عليه اليهود في عصر المفسر .. وليس هذا بغريب ما دام الإنسان يتأثر ـ حتما ـ بما يسمع ويرى ، وتفسيري التالي لهذه الآية يخضع لهذه القاعدة.
ومهما يكن ، فإن الذي أفهمه من ذل اليهود وهو انهم الذي عنته الآية انهم مشتتون في شرق الأرض وغربها ، وموزعون بين الدول مع الأقليات ، فهم دائما تابعون غير متبوعين ، ومحكومون غير حاكمين في دولة منهم ولهم ، مستقلة لها كيانها وشأنها بين الدول.
أما إسرائيل التي قامت أخيرا في تل أبيب فإنها دولة في الاسم فقط ، أما في الواقع فهي قاعدة من قواعد الاستعمار ، تماما كمطاراته وثكناته العدوانية. وقد ظهرت هذه الحقيقة بأوضح معانيها بعد عدوان إسرائيل على الأراضي العربية في ٥ حزيران سنة ١٩٦٧. لقد أوجد الاستعمار إسرائيل ليتخذها أداة لتحقيق مآربه ، ولو تخلى عنها يوما واحدا لتخطفها العرب من كل جانب .. وهذا هو الذل والهوان بعينه. ان العزيز يستمد قوته من نفسه ، ويذود عن كيانه بساعده ، لا بسواعد الناس.
وبهذا يتبين معنا ان المراد بحبل من الناس المساعدات المادية والمعنوية التي تمد الدول الاستعمارية بها قاعدتها الاستعمارية إسرائيل ، ومن أجل هذا نؤمن إيمانا لا يشوبه ريب بأن دولة إسرائيل ستزول بزوال الاستعمار لا محالة ، والاستعمار في طريقه الى الزوال آجلا أو عاجلا ، وليس هذا القول مجرد أمنية ، وانما هو نتيجة حتمية لمنطق الحوادث .. كما جاء في الحديث النبوي : «لا تقوم الساعة ، حتى تقاتلوا اليهود .. وان الحجر ليقول ـ أي بلسان الحال ـ يا مسلم هذا يهودي ورائي فاقتله» (١).
__________________
(١) رواه البخاري في الجزء الرابع ، باب قتال اليهود ، ومسلم في القسم الثاني من الجزء الثاني ، باب لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل ، فيتمنى أن يكون مكان الميت.