أما حبل الله فهو كناية عن مشيئته تعالى ، أي ان اليهود يلازمهم الذل والهوان إلا أن يشاء الله ، فهو تماما كقوله سبحانه : (النَّارُ مَثْواكُمْ خالِدِينَ فِيها إِلَّا ما شاءَ اللهُ).
ثم بيّن سبحانه السبب الموجب لذلهم ومسكنتهم ، وغضب الله عليهم ، بينه بقوله : (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ). تقدم مثله في الآية ٦١ من سورة البقرة.
ولك أن تسأل : ان غير اليهود من الأمم والطوائف قد كفروا بآيات الله ، وقتلوا الأبرياء ، وعصوا ، واعتدوا ، ومع ذلك لم يضرب الله عليهم الذلة والمسكنة ، فما هو السر لتخصيص اليهود؟
الجواب : ان الإنسان قد يطغى ، بل ويتمادى في الطغيان بدافع من مصلحته ومنافعه ، اما أن يطغى لا لشيء إلا حبا بالغي والطغيان ، كغاية ، أما هذا فلم يعهد من أحد إلا من اليهود فقط .. وهذا الشغف بالظلم والبغي من صميم دين اليهود وعقيدتهم ، فهم يعتقدون ان الله معهم دون غيرهم ، بل ضد كل من عداهم ، وانه ما خلق الناس إلا من أجلهم ، وإلا لكي يفعلوا بهم ما يشتهون ، تماما كما يفعل الإنسان بالحيوان ، ولا شيء أدل على ذلك من سيرتهم قديما وحديثا ، بخاصة فظائعهم في فلسطين ، وبصورة أخص ما فعلوه في دير ياسين من ذبح النساء والأطفال.
لقد كانوا من قبل يقتلون الأنبياء يوم كان في الدنيا أنبياء ، أما اليوم فيقتلون المصلحين كبرنادوت (١) ، والنساء والأطفال ، لأن المهم في عقيدتهم ، وحسب فطرتهم هو قتل الأبرياء أنبياء كانوا ، أو مصلحين أو أطفالا لا فرق .. وقد نصت توراتهم على استباحة دم النساء والأطفال ، وحثت على هتكه وإراقته.
وبالجملة ، فان الكفر بآيات الله ، وقتل المصلحين والأبرياء ، والبغي والاعتداء ، كل ذلك وما اليه دين وعقيدة لليهود ، فإذا ارتكب اليهودي جريمة بحق غير اليهودي فإنما يرتكبها تلذذا واشباعا لرغبته ، لا سدا لحاجته ، وإذا كف فإنما
__________________
(١) رجل سويدي أرسلته الأمم المتحدة سنة ١٩٤٨ ليقوم بدور رسول السلام في تنفيذ قرارات الأمم المتحدة حول قضية فلسطين ، فاغتاله اليهود في القدس المحتلة بعد ثلاثة أشهر من بدء مهمته.