المسألة مسألة شر وخيانة وآثام ، لا مسألة كفر ، وعدم اسلام.
وتسأل : إذا كان الأمر كما ذكرت فلما ذا قال تعالى (مِنْ دُونِكُمْ) ولم يقل من الخائنين المفسدين؟
الجواب : ان الآية نزلت في بعض المسلمين الذين كانوا يواصلون اليهود ـ كما قال المفسرون ـ وبديهة ان العبرة بالسبب الموجب لتشريع الحكم ، لا بسبب نزوله ، وتطبيقه على مورد من الموارد ، وبكلمة ان الحكم يتبع ظاهر اللفظ إذا لم نعلم بسببه ، أما إذا كنا على يقين من سببه التام فيكون مدار الحكم على السبب ، لا على ظاهر اللفظ.
(قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ). المراد بالآيات هنا العلامات الفارقة بين الذي يصح أن يتخذ بطانة ، والخبيث الذي يجب الابتعاد عنه. (ها أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ). ظاهر الخطاب انه موجه الى جماعة تنتمي الى الإسلام ، ولا يصح ان يتوجه الى جميع المسلمين لا في العصر الأول ، ولا في غيره ، إذ لم يعهد ان كلمة المسلمين اتفقت على حب الكافرين في يوم من الأيام.
وقال الطبري شيخ المفسرين ، وتبعه كثير ، قالوا ما معناه ان حب المسلمين لمن يكرههم من الكافرين دليل على ان الإسلام دين الحب والتساهل.
هذا سهو من الطبري ومقلديه ، لأن الإسلام لا يتساهل أبدا مع المفسدين والخائنين ، ولا شيء أدل على ذلك من هذه الآية نفسها التي فسّرها الطبري بالتساهل.
والذي نراه ان المسألة ليست مسألة تساهل ، وانما هي مسألة خيانة ونفاق من بعض من انتسب الى الإسلام ، وفي الوقت نفسه يتجسس على المسلمين لحساب عدو الوطن والدين ، كما هو شأن عملاء الاستعمار اليوم المعروفين بالطابور الخامس ، وبالمرتزقة والانتهازيين ، لأنهم يبيعون دينهم ووطنهم لكل من يدفع الثمن.
(وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتابِ كُلِّهِ). الألف واللام في الكتاب للجنس ، والمعنى انكم تؤمنون بكل كتاب منزل من الله سواء أنزل عليكم أم عليهم ، ولستم مثلهم يؤمنون ببعض ، ويكفرون ببعض.
(وَإِذا لَقُوكُمْ قالُوا آمَنَّا). رياء ونفاقا .. ولا ينبغي للمؤمن أن يوالي المنافقين والمراءين.