وخالفوا أمره ، فاغتم الرسول (ص) لذلك ، فجزاهم الله بدل غم الرسول غما بالهزيمة ، فالغم الأول ما حصل للصحابة المنهزمين. والغم الثاني ما حصل للرسول (ص) .. وقيل : ان الغمين حصلا للصحابة ، وانه قد كثرت عليهم الغموم غما بعد غم ، منها قتل إخوانهم ، ومنها انتصار المشركين عليهم ، ومنها ندمهم على المعصية.
(لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلى ما فاتَكُمْ) من المنفعة والغنيمة. (وَلا ما أَصابَكُمْ) من القرح والهزيمة ، والمعنى ان الله أذاقكم مرارة القتل والهزيمة كي تتمرنوا بعدها على تحمل المشاق والشدائد ، وتصبروا على طاعة الله ورسوله مهما تكن النتائج ، ولا تحزنوا على ما يفوتكم من الغنائم ، ولا ما يصيبكم من المضار .. وسبقت الاشارة الى ان الرماة تركوا أماكنهم طمعا بانتهاب الغنائم ، وانه قد ترتب على ذلك انهزام المسلمين .. فنبههم الله سبحانه بأن عليهم أن يستفيدوا من هذه الهزيمة ، ويأخذوا منها درسا نافعا ، ولا يخالفوا الرسول بعدها أبدا. (وَاللهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ). المعنى واضح ، والقصد الحث على الطاعة ، والزجر عن المعصية.
(ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاساً). الذين كانوا مع رسول الله (ص) يوم أحد ينقسمون الى طائفتين : الأولى كانوا مؤمنين حقا جازمين بأن الإسلام سينتصر ، ويظهره الله على جميع الأديان ، لأن الرسول قد أخبرهم بذلك ، أما الانهزام في واقعة أو أكثر فلا يؤدي الى استئصال الإسلام ، واتباعه ، والذين كانوا يعتقدون هذا هم المخاطبون بقوله تعالى : (ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاساً). والنوم عند المحنة نعمة كبرى ، تخفف الكثير من وقع المصاب. (يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ). هي نفس الطائفة التي تكلمنا عنها ، والتي كان أفرادها على بصيرة في ايمانهم.
الطائفة الثانية من الذين فروا يوم أحد هم المنافقون ، وقد وصفهم الله بقوله : ١ ـ (وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ). هذه الطائفة لم يغشها النعاس لسيطرة الهلع والجزع على نفوس أفرادها ، وقال المفسرون : هم عبد الله بن أبيّ ، ومتعب بن قشير وأتباعهما ، وتشعر هذه الآية ان الإيمان الكامل يستدعي الاهتمام