كان إذا غضب احمر وجهه ، وإذا حزن أكثر من لمس لحيته ، وإذا تكلم أشار بكفه كلها ، وإذا تعجب قلبها ، وإذا استغرق في الحديث ضرب راحة يده اليمنى ببطن إبهامه اليسرى ، وإذا رأى ما يكره أشاح بوجهه ، وإذا عطس غطى وجهه ، وكان يضحك ، حتى تبدو نواجذه ، وكان أكثر الناس تبسما.
وكان في طعامه لا يرد موجودا ، ولا يتكلف مفقودا ، وإذا لم يجد الطعام صبر ، حتى انه ليربط الحجر على بطنه من الجوع ، وكان يمر عليه الشهر لا يجد ما يخبزه ، وبعث يشتري من يهودي على ان يؤجل الدفع ، فرفض ، وقال : ما لمحمد زرع ولا ضرع ، فمن يسدد؟.
ولم يملك قميصين معا ، ولا رداءين ، ولا إزارين ، ولا نعلين .. وكانت له حصير ينام عليها في الليل ، ويبسطها في النهار ، فيجلس عليها ، ونام عليها ، حتى أثرت في جنبه ، وله مخدة من جلد ، حشوها ليف ، وكان إذا نام يضع يده تحت خده ، وينام على جنبه الأيمن ، وكان يخصف النعل ، ويرقع القميص ، ويركب الحمار ، هذا وثروة الجزيرة العربية طوع أوامره .. ولكنه كان يعطي كل ما يصل منها اليه عطاء من لا يخشى الفقر ، كما وصفه اعرابي.
النبي والفقر :
وليس معنى هذا انه كان يحب الفقر ، ويرضى به .. كلا ، بل كان يستعيذ منه ، ويقول : اللهم اني أعوذ بك من الفقر والقلة والذلة .. وأعوذ بك من العجز والكسل .. وأعوذ بك من أن أظلم أو أظلم .. لم يكن النبي يحب الفقر ، ويرضى به .. ولكن ما دام يعيش في مجتمع فيه فقراء فخير الأنظمة ، والحال هذه ، هو النظام الذي يجعل الحاكم في جانب الفقراء ، ويساوي بينه وبينهم في المأكل والملبس والمسكن .. ولا شيء أعظم ظلما وجريمة من أن يشبع الحاكم ، وفي رعيته جائع واحد .. قال أمير المؤمنين علي : ان الله فرض على أئمة العدل أن يقدّروا أنفسهم بضعفة الناس ، كيلا يتبيّغ بالفقر فقره ، أي لا يهيج به