والعظيم منهم من اعترف له محمد بالعظمة والفضيلة .. اعترف له بالنص وتعيين الاسم بالذات ، أو بالوصف العام الشامل ، كقوله : «خير الناس أنفع الناس للناس».
أما السر لعظمة محمد (ص) فيكمن في أنه كان يحمل هموم الناس جميعا ، ولا يكلف قريبا أو بعيدا بشيء من همومه .. كان يمشي مع الأرملة والمسكين ، فيقضي حاجتهما ، ولا يحول دون مقابلته حاجب ، وما من أحد صديقا كان أو عدوا إلا ويجد عنده الاهتمام به ، والعطف عليه ، والرعاية له.
وليس قولي هذا من وحي العاطفة ، ولا من وحي البيئة والتربية .. كلا ، انه من وحي الله : (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ) ـ ١٠٧ الأنبياء». ومعنى هذا ان عطفه واهتمامه ليس وقفا على عشيرته الأقربين ، ولا أتباعه الموالين .. بل هي مشاع للناس أجمعين أعداء وأولياء .. انها تماما كالماء والهواء .. كسر قومه رباعيته ، وشجوا وجهه ، فقال : اللهم اهد قومي انهم لا يعلمون .. فلم يكتف ان سأل الله لهم الهداية ، حتى اعتذر عنهم بالجهل وعدم العلم.
ولا غرابة إذا لم بغضب محمد (ص) لنفسه ، ولم يحتجز لها شيئا من أعراض الدنيا ، وانما الغريب أن يغضب لها ويحتجز .. ان هذا الخلق هو حتم وفرض لمن بعث ليتمم مكارم الأخلاق ، ودعا الناس ، كل الناس ، لتصديقه والإيمان برسالته ، ولا معنى لتصديقه إلا تصديق العدل والإحسان ، ولا للإيمان به إلا الإيمان بالحق والانسانية ، لا بشخصه وذاته.
ناداه رجل : يا سيدنا وابن سيدنا ، وخيرنا وابن خيرنا .. فقال : لا يستهوينكم الشيطان .. أنا محمد عبد الله ورسوله .. والله ما أحب أن ترفعوني فوق منزلتي .. وكان أصحابه إذا رأوه قادما لم يقوموا له ، وو هو أحب الناس اليهم ، لأنهم يعرفون كراهيته لقيامهم .. وكان يكره أن يمشي أصحابه وراءه ، ويأخذ بيد من يفعل ذلك ، فيدفعه إلى السير بجانبه.
هذه هي أخلاق محمد (ص) .. وليس كل الناس كمحمد .. ما في ذلك ريب .. ولكن أخلاقه تعبير وانعكاس عن حقيقة الإسلام .. فأي داع الى الإسلام لم يقتد بسيرة نبيه ، ويتجاوب مع سنته فهو مخادع محتال ، سواء أشعر ذلك من نفسه ، أم ظن هو وظن الناس معه انه قدس الأقداس.