الإعراب :
ما كان الله اللام في ليذر تسمى لام الجحود ، لأنها تؤكد النفي ، وان مضمرة بعدها ، والمصدر المنسبك مجرور باللام متعلق بمحذوف خبر لكان ، والتقدير ما كان الله مريدا لترك المؤمنين. ومثلها وما كان الله ليطلعكم ، أي ما كان مريدا لاطلاعكم. وحتى هنا بمعنى كي. ويميز فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد حتى.
المعنى :
(ما كانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ) كان أعداء الرسول (ص) فئتين : الأولى المشركون ، وهم الذين رفضوا الإيمان به باطنا وظاهرا ، وأعلنوا الحرب عليه منذ البداية ، وانتهت بهم الحال الى أن جمعوا له الجموع ، وأعدوا له ما استطاعوا من قوة ، فجمع لهم كما جمعوا ، وأعد كما أعدوا .. فكانوا أعداء معروفين متميزين عن غيرهم من المسلمين.
الفئة الثانية : المنافقون ، وهم الذين أضمروا الكفر والعداء للنبي وصحبه ، وأظهروا لهم الحب والولاء .. وكانت مهمتهم العمل ضد النبي (ص) داخل صفوف المسلمين .. فتارة يروجون الاشاعات الكاذبة ، وأخرى يغرون المسلمين بمعصية الله والرسول (ص) ، وحينا يثبطون عزائمهم ، ويخوفونهم من المشركين .. وفي بعض الغزوات انضموا الى جيش المسلمين ، ثم تركوهم في منتصف الطريق ، وقد لاقى منهم النبي والخلص من أصحابه أكثر مما لاقوه من المشركين ، لأن هؤلاء يحاربون في العلنية ، والمنافقون يكيدون في الخفاء ، ويدبّون الضراء .. وهذا شأنهم مع كل داع الى الخير في كل زمان ومكان ، يندسون في صفوف الطيبين للفساد والتخريب ، وقد ذكرهم الله سبحانه في العديد من الآيات ، منها الآية ١٧٣ ـ ١٧٩ وهي التي نحن بصددها ، ومنها الآية ١١٢ من سورة الانعام : (وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً).