وتزوجوا من غيرهن فقد جعل الله لكم مندوحة عن اليتيمات بما أباحه لكم من التزويج بغيرهن واحدة أو اثنتين أو ثلاثا أو أربعا .. ولكن أيضا على أساس العدل ، فإن خفتم أن لا تعدلوا مع التعدد فاقتصروا على الواحدة ، وبهذا يتم الربط بين فعل الشرط وجوابه ، تماما كما تقول لجليسك : إذا كنت لا تأكل من هذا الصنف لأنك تكثر منه ، وتخاف من داء التخمة فكل من الأصناف الأخر ، ولكن على أساس عدم الإكثار منها ، والا وقعت في المحذور نفسه. وكل كلمة قدرناها لهذا المعنى الذي ذكرناه فإن السياق يدل عليها ، والمألوف من طريقة القرآن انه يوجز الكلام الى أقصى حد ، ويحذف منه كل ما يمكن أن يستحضره السامع والقارئ من الاشارة والإيماء ، وان دلت حيرة المفسرين على شيء فإنما تدل على ان هذه الآية هي أبلغ آية في الإيجاز.
(فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً). المراد بالعدل التسوية في الملبس والمسكن ونحو ذلك مما يدخل تحت طاقة الإنسان ، أما ما لا يدخل في وسعه من ميل القلب الى واحدة دون أخرى فلا يكلف الإنسان بالعدل فيه ، وبهذا نجد الفرق بين قوله تعالى : (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً) وبين قوله : (وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ) ـ ١٢٨ النساء). فالمراد بالعدل الأول التسوية في الإنفاق ، وبالعدل الثاني ميل القلب.
وتسأل : ان الله سبحانه قد أوجب الاقتصار على الواحدة مع خوف الرجل من الجور إذا عدد .. وبديهة ان الخوف حالة نفسية ذاتية تخطئ أكثر مما تصيب ، وقد شاهدنا الكثير من الرجال تطغى عليهم شهواتهم ورغبتهم في تعدد الزوجات ، فتعميهم عن تقدير ظروفهم ، وتدبر قدرتهم ، وعلى هذا لا يكون للشرط مقياس صحيح ، وضابط مطرد؟.
الجواب : ان هذا الاشكال لا مفر منه ، إذا أردنا من الخوف الحالة النفسية ، أما إذا أردنا منه ظروف الرجل المادية والصحية ، وانها تتحمل أكثر من زوجة واحدة ، أما إذا أردنا هذا فالسؤال غير وارد من الأساس ، لأن الأشياء المحسوسة يمكن ضبطها بسهولة .. ولا شيء في الشريعة الإسلامية يمنع أن يعهد بتقدير ظروف الرجل الذي يريد التعدد الى هيئة خاصة ، كما هي الحال الآن في بعض الأقطار الإسلامية.