بوسيلتين : العقل ، ولسان رسله وأنبيائه .. والنتيجة الحتمية لهذا المبدأ انه لا ذنب ولا عقاب بلا بيان ، على حد تعبير الفقهاء المسلمين ، أو بلا نص على حد تعبير أهل القوانين الوضعية.
إذا تمهد هذا تبين معنا ان الإنسان انما يكون مذنبا وعاصيا إذا فعل ما نهى الله عنه ، أو ترك ما أمر الله به عن تعمد وعلم ، فإذا فعل أو ترك ناسيا ، أو مكرها ، أو جاهلا من غير تقصير وإهمال فلا يعد مذنبا ، وينتفي السبب الموجب للتوبة ، قال : (فَمَنْ تابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ) أي بعد ذنبه ، لأن كل من أقدم على الذنب فقد ظلم نفسه بتعريضها للحساب والعقاب.
أما تحديد التوبة فهي أن يندم المذنب على ما كان منه ، ويطلب من الله العفو والمغفرة ، ولا يعود إلى الذنب ثانية ، فإن عاد بطلت التوبة ، واحتاج إلى استئنافها بعهد أحكم ، وقلب أسلم ، قال الإمام زين العابدين (ع) : «اللهم ان يكن الندم توبة اليك فأنا أول التائبين ، وان يكن الترك لمعصيتك انابة فأنا أول المنيبين ، وان يكن الاستغفار حطة للذنوب فإني لك من المستغفرين».
والمراد بالاستغفار الاستغفار بالفعل ، لا بالقول ، فيبدأ قبل كل شيء بتأدية حقوق الناس ، ورد ظلامتهم ، فإذا كان قد اغتصب درهما من انسان أعاده اليه ، وان كان قد أساء اليه بقول أو فعل طلب منه السماحة .. ثم يقضي ما فاته من الفرائض ، كالحج والصوم والصلاة ، سمع أمير المؤمنين علي (ع) رجلا يقول : أستغفر الله. فقال الإمام : أتدري ما الاستغفار؟ انه درجة العليين ، وهو واقع على ستة معان .. وذكرها الإمام ، منها العزم على ترك العودة إلى الذنب ، وتأدية الحقوق إلى المخلوقين ، وقضاء الفرائض ، ومتى توافرت هذه العناصر للتائب كان من الذين عناهم الله بقوله : (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى) ـ ٨٢ طه» أي استمر على الهداية ، وهي الإيمان والعمل الصالح ، وفي الحديث : «التائب من الذنب كمن لا ذنب له». بل يصبح من المحسنين ، قال تعالى : (تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتاعاً حَسَناً). وقال : (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ). وقال الرسول الأعظم (ص) : من رأى انه مسيء فهو محسن.
أما السر لاحسان التائب ، وعظيم منزلته عند الله سبحانه فهو معرفته بنفسه ،