في الصلح ، فإن تعذر رفعا تقريرا للحاكم الشرعي بواقع الحال ، وما يريانه من مصلحة الطرفين ، ولا حق لهما بالتفريق الا بإذن الزوج ، ولا بالبذل عن الزوجة الا بإرادتها.
(إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُما). اختلف المفسرون في ضمير يريدا ، وضمير بينهما على من يعودان؟ قيل : ان ضمير يريدا يعود الى الحكمين ، وضمير بينهما الى الزوجين ، ويكون المعنى ان أراد الحكمان إصلاحا بين الزوجين يوفق الله بين الزوجين ، وهذا بعيد عن الصواب أولا : لأن المفروض بالحكمين انهما يريدان الإصلاح ، والا لم يكونا حكمين. ثانيا : قد يريد الحكمان الإصلاح ، ومع ذلك لا يحصل التوفيق ، مع ان الله قال : ان يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما ، وعليه يجب حصول التوفيق بمجرد وجود ارادة الإصلاح من الحكمين .. والواقع هو العكس.
والصحيح ان الضميرين يعودان الى الزوجين ، ويكون المعنى ان الزوجين إذا صلحت نيتهما ، وكانا قاصدين استمرار الزواج والمحافظة على بقاء الأسرة ، فإن مهمة الحكمين تنجح ، ويوفق الله بين الزوجين لا محالة ، لأنه متى صلحت النية صلحت الحال ، واستقامت الأفعال ، وإذا ساءت نية الزوجين فإن مآل وظيفة الحكمين الى الفشل ، حتى ولو قصدا الإصلاح ، وبذلا كل الجهود وأقصاها.
وتجدر الاشارة الى أن الله سبحانه ذكر نشوز الزوجة ثم نشوز الزوجين معا ، ولم يذكر نشوز الزوج فقط .. ولكن الفقهاء تعرضوا له ، وقالوا : إذا تعدى الزوج ، ومنع الزوجة بعض حقوقها الواجبة وعظته ، فإن قبل ، والا فليس لها هجره ، ولا ضربه كما له هجرها وضربها إذا نشزت ، ليس لها ذلك ، حتى ولو علمت ان هجره وضربه يجديانها نفعا ، لأن الهجر والضرب يحتاجان الى الاذن من الشرع ، ولا اذن منه لها بهما .. أجل ، لها أن ترفع أمرها الى الحاكم الشرعي ، وعلى الحاكم أن يتثبت ويتبين ، فإن ثبت لديه تعدي الزوج نهاه ، فإن عاد عزّره بما يرى من الشتم أو الضرب أو السجن .. وان امتنع عن الإنفاق عليها ، مع قدرته عليه جاز للحاكم أن يأخذ من مال الزوج ، وينفق عليها ، ولو ببيع شيء من أملاكه ، وان لم يملك شيئا كان له ـ على رأي ـ ان يطلقها قهرا عنه ، ان طلبت هي الطلاق .. وسبقت الاشارة الى ذلك عند تفسير قوله تعالى : (وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ).