ان يلتمس الأعذار الكاذبة لإيذاء الزوجة ، حتى ولو كانت كارهة له ، ما دامت قائمة بحقوقه المشروعة .. فان الحب والبغض لا يدخلان في استطاعة الإنسان ، والله سبحانه لا يحاسب ولا يعاقب إلا على ما يظهر من قول أو فعل.
(إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيًّا كَبِيراً). قال الرازي ما يتلخص بأن المقصود من قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيًّا كَبِيراً) أمور ، الأول : تهديد الأزواج على ظلم النساء. الثاني : ان الله لا يكلف إلا بالحق. الثالث : انه سبحانه لا يكلف إلا ما يطاق ، فعلى الأزواج ان لا يكلفوا النساء ما لا يقدرن عليه. الرابع : انه لا يكلف العاصي إذا تاب ، فإذا تابت المرأة عن نشوزها فدعوا معاقبتها. الخامس : انه لم يهتك السرائر ، فأنتم أولى أن تكتفوا بظاهر حال المرأة ، ولا تفتشوا عما في قلبها من البغض.
والرازي من الأشاعرة القائلين بأن لله ان يكلف الإنسان ما لا يطيق ، ودافع عن هذا المذهب بحرارة في كثير من الموارد في تفسيره الكبير ، بخاصة عند تفسير قوله تعالى : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) ـ ٢٨٦ البقرة» .. وقد ذهل هنا عن مذهبه التقليدي ، ورجع الى الفطرة الصافية التي فطر الله الناس عليها ، وقال ما نصه بالحرف : «ان الله لا يكلفكم إلا ما تطيقون ، فكذلك لا تكلفوهن محبتكم ، لأنهن لا يقدرن على ذلك».
(وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها). تعرضت الآية السابقة لنشوز الزوجة ، وتعرضت هذه لنشوز الزوجين ، وامتناع كل منهما عن القيام بحقوق الآخر ، وقوله تعالى : (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما) أراد به الخوف من استمرار الشقاق الحاصل بالفعل. والخطاب في خفتم وابعثوا خاص بالحكام الشرعيين ، لأنه بهم أليق وأنسب ، والأمر ببعث الحكمين للاستحباب ، لا للوجوب ، والغرض منه إصلاح ذات البين ، والمحافظة على الاسرة ، والخوف من ضياع الأطفال والصغار.
ويشترط في الحكم ان يكون أهلا للإصلاح ، لأن فاقد الشيء لا يعطيه ، ويجوز أن يكون من غير الأهل والأرحام ، لأن القرابة ليست شرطا في الحكم ، ولا في الوكيل ، وذكر الأهل في الآية للأفضلية ، لا للإلزام ، لأنهم أعرف ببواطن الحال ، وأشفق من الغير ، وأكتم للأسرار ، ومهمة الحكمين ان يسعيا