والحديث عن الزواج لا ينتهي الى حد ، ولا أحد يعرف السر الكامن في قول من قال : لا أتزوج ولو شنقوني ، إلا المتزوجون .. ان بعض الزوجات سرطان يقضي على الأرواح ببطء .. وإذا كان الإنسان مخيرا ، لا مسيرا فان هذا الإنسان هو الأعزب ، أما المتزوج فلا ارادة له ، ولا اختيار الا من شذ .. وفي بعض الديانات ان الله غدا لا يعاقب بالنار ، ولا يثيب بالجنة ، بل يزوج العاصي عجوزا فانية تؤلمه في خلقها وخلقها ، ويزوج المطيع شابة جميلة تسره خلقا وخلقا.
(وَاللَّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ). والمراد بالنشوز في الآية الامتناع عن القيام بحقوق الزوجية .. وقد يكون النشوز من الزوجة فقط ، أو من الزوج ، أو منهما معا .. وبعد أن أشار سبحانه الى الزوجة الصالحة أشار الى الزوجة الناشزة ، وأباح للزوج إذا تمردت عليه زوجته من غير حق ان يعظها ، فإن هي قبلت ، والا هجرها في الفراش فان هي قبلت وإلا ضربها ضربا خفيفا للزجر والتأديب ، لا للتشفي والانتقام .. هذا الى ان الأمر بالوعظ ، ثم بالهجر ، ثم بالضرب هو أمر للاباحة والترخيص ، لا للوجوب والإلزام ، فقد اتفق الفقهاء جميعا على ان ترك الضرب أولى ، وان الذي يصبر على أذى الزوجة ولا يضربها خير وأفضل عند الله ممن يضربها ، كما اتفقوا على انه كلما حصل الغرض بالطريق الأخف وجب الاكتفاء به ، وحرم الأشد. قال رسول الله (ص) : «لا يضرب أحدكم امرأته كما يضرب البعير أول النهار ثم يضاجعها آخر النهار .. خيركم خيركم لأهله ، وأنا خيركم لأهله».
ومن الطريف ان الطبري الذي وصفوه بشيخ المفسرين قال في تفسير قوله تعالى : (وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ). انه أمر من الله للزوج إذا عصته زوجته ان يربطها بالحبل ـ كما يربط البعير ـ في البيت الذي يضاجعها فيه .. والذي حمله على هذا التفسير ان العرب تسمي الحبل الذي يربطون به البعير هجارا ، فإذا كان كذلك يكون معنى اهجروهن اربطوهن بالهجار .. وأبلغ رد لهذا التفسير قول الزمخشري : «وهذا من تفسير الثقلاء».
(فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً). من السبل الثلاث ، لأن الوعظ والهجر والضرب وسيلة الى الطاعة ، فإذا حصلت الغاية ذهبت الوسيلة. ويشير قوله تعالى : (فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً) الى ان الزوج لا يجوز له