المعنى :
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُدْعَوْنَ إِلى كِتابِ اللهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ). قال المفسرون : المقصود من الذين أوتوا نصيبا من الكتاب هم اليهود ، وإنما قال هنا أوتوا نصيبا من الكتاب ، ولم يقل أوتوا الكتاب ، أو أهل الكتاب ، كما في الكثير من الآيات ، لأن اليهود الذين حاجوا النبي (ص) ، ودعاهم الى التوراة لتحكم بينهم لم يحفظوا كل ما فيها ، وإنما حفظوا بعضا منها ، كما قال كثير من المفسرين ، أو حفظوا ألفاظ التوراة ، ولم يتدبروا معانيها ، كما قال الشيخ محمد عبده.
وكثيرون هم الذين يدعون الايمان بالكتب السماوية والقيم الانسانية ، ولا يعملون بها ، وإذا احتج عليهم بما يؤمنون توانوا أو تأولوا ، والأمثلة على ذلك لا تحصيها كثرة ، منها : ان الذين أثاروا الحروب وقتلوا الملايين يزعمون انهم من أنصار السلام.
ومنها : ان الدول التي اضطهدت الأحرار والملونين تدعي الايمان بالحق والعدالة.
ومنها : اليهود الذين دعاهم النبي (ص) إلى كتابهم وتوراتهم ، وقال لهم : هلموا اليها ، فإن فيها صفتي ، فاعرضوا وعاندوا .. فنزلت هذه الآية : (يُدْعَوْنَ إِلى كِتابِ اللهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ).
وقال جماعة من أهل التفسير : انها نزلت في يهودي زنى بيهودية ، واختلف اليهود في أمرهما الى فريقين : فريق أراد الرجم ، وفريق أراد التخفيف ، ولما اشتد بينهم النزاع تحاكموا الى النبي (ص) ، فحكم بالرجم ، فرفض الفريق الذي لا يتفق الرجم مع أهوائهم ، فدعاهم النبي (ص) الى حكم التوراة التي نصت على الرجم فتولوا ، وهم معرضون.
ومهما يكن سبب النزول ، فان الآية جارية وشاملة لكل من أعلن شعارا ، ثم تجاهله ، وأعرض عنه عند العمل ، لأن العبرة بالأعمال ، لا بالسمات والشعائر ، قال الإمام علي (ع) : لن يفوز بالخير الا عامله ، ولا يجزى جزاء الشر الا فاعله.