الجواب : القصد إلقاء الحجة على المنافقين الذين عصوا الرسول ، ورفضوا التحاكم اليه .. ووجه الحجة ان الله سبحانه بيّن للمنافقين وغيرهم في هذه الآية ان معصية الرسول ليست معصية له بالذات ، وانما هي معصية لله ، حيث أبى إلا ان يجري الأمور على سننها : ومن هذه السنن أن يبلغ أحكامه لعباده بواسطة رسول منهم ، وعلى هذا فمن عاند الرسول فيما يبلغه من أحكام الله فقد عاند الله ، والى هذا المعنى يشير قوله تعالى : (بِإِذْنِ اللهِ). والنتيجة ان المنافقين ، وكل من يعصي الله مستحقون للعقاب لأنهم عصوا الله وخالفوه.
(وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَحِيماً). ظلموا أنفسهم ، حيث عرضوها للعذاب والهلكة بما اقترفوا من ذنوب ، وظلموا الله أيضا بتجاوز حدوده ، وعصيان أوامره ، وظلموا النبي (ص) ، لأنهم رفضوا حكمه ، وارتضوا حكم الطاغوت ، وأظهروا له خلاف ما يضمرون.
وبالرغم من هذا كله فان الله قد فتح لهم باب التوبة ، وما عليهم إلا أن يلجوه ، ويطلبوا المغفرة ، فان فعلوا أدخلهم في رحمته ، وان استنكفوا فلا يجدون من دونه وليا ولا نصيرا.
وتسأل : ان قوله تعالى : (وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ) يتنافى مع مبدأ الإسلام الذي يرفض فكرة الوسطاء بين الله والناس؟.
الجواب : أجل ، لا واسطة بين الله وعباده ، ولكن فيما يعود الى حقوقه تعالى ، والتعدي عليها ، أما التعدي على حقوق الناس فالأمر اليهم ، والصفح عنها يطلب منهم ، لا من غيرهم .. والمنافقون قد آذوا الرسول ، وتعدوا على حقه فكان لا بد في توبتهم ان يظهروا الندم له ، ويطلبوا الصفح منه ، وكل من أظهرت له خلاف ما تضمر فقد ظلمته ، وتعديت على حقه ، بل لو علمت ان (فلانا) ظن بك وصفا حسنا ، وما هو فيك ، وعاملك وائتمنك على أساسه ، ثم تجاهلت وأغضيت ولم تلفت نظره ، وعلى الأقل تتهرب منه ، إذا كان كذلك فأنت ظالم له.
(حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ) ، لأن جميع الأحكام التي تلّفظ بها محمد