ليست منه ، وإنما هي من الله وحده ، والنبي لسانه وبيانه.
(ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً). المعنى انهم لا يؤمنون ، حتى يعلموا علم اليقين ان حكمك هو حكم الله بالذات ، وان من ردّ عليك فعلى الله يرد .. ومحال أن يشعر المؤمن حقا بالضيق والحرج من حكم يعلم انه من عند الله .. أجل ، قد يريد بينه وبين نفسه أن يكون الأكل مباحا في شهر رمضان ـ مثلا ـ ، ولكنه مع ذلك يصوم ويمتنع عن الأكل خوفا من عذاب الله الذي هو أشد وأشق من الصيام ، وقد تغلبه نفسه على المعصية ، ولكنه يتألم ويتبرم منها ، ويلعنها ، لأنها استثقلت الحق .. وهذا عين الايمان.
(وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيارِكُمْ ما فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ). ان دين الله سعة ويسر ، وخير وصلاح ، فلا يكلف أحدا فوق طاقته ، ولا بغير منفعته دينا ودنيا ، قال تعالى : (وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) ـ ٧٨ الحج». وقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ) ـ ٢٤ الأنفال». وعليه فإن الله سبحانه لا يأمر بالخروج من الديار ، ولا بقتل النفس الا ما كان من الاسرائيليين لأمر استحقوا من أجله هذا القتل.
وتسأل : إذا كان الأمر كذلك فلا وجه لقوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) لأنه أمر بما لا يطاق؟.
الجواب : ان هذا مجرد فرض ، ولذا جيء ب (لو) التي تدل على امتناع شيء لامتناع غيره ، والغرض من هذا الفرض أن يبين الله سبحانه ان المنافقين لا عذر لهم إطلاقا في العناد والتمرد على أحكامه سبحانه ، حيث لا مشقة فيها ولا إرهاق ، بل هي رحمة لهم ، وسعة عليهم ، ومع هذا عصوا واستنكفوا.
وإذا استنكف المنافقون واضرابهم عن طاعته جل وعلا ، على ما فيها من سهولة ويسر فإن في صحابة الرسول (ص) من لو أمر بقتل نفسه لفعل ، والى هؤلاء أشار تعالى بقوله : (إِلَّا قَلِيلٌ) ومن هذا القليل ياسر وزوجته اللذان استشهدا في التعذيب من أجل الإسلام ، وولدهما عمار الذي قتلته الفئة الباغية يوم صفين ، وكان في مناجاته يخاطب الله ، ويقول : اللهم انك تعلم لو اني أعلم ان مرضاتك