الجواب : ليس المراد بمن أضل الله ويضلل الله خلق الإضلال فيهم .. كلا ، وانما المراد ان من حاد عن طريق الحق والهداية بإرادته ، وسلك طريق الباطل والضلال باختياره فإن الله يعرض عنه ، ويدعه وشأنه .. وليس من شك ان من أوكله الله الى نفسه لا يجد سبيلا الا الضلال ، والجور عن القصد ، وهذا المعنى ينسجم مع قوله تعالى : (وَاللهُ أَرْكَسَهُمْ بِما كَسَبُوا) كل الانسجام.
وبتعبير أوضح : كل من سلك طريق الحق فإن الله يشمله بعنايته ، ويرعاه بتوفيقه : (إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ) ـ ٢٨ النحل». وهذه العناية من الله بالمتقين تسمى هداية وتوفيقا وولاية ووكالة من الله ، وما الى ذلك .. وكل من سلك طريق الباطل فإن الله يعرض عنه ، ولا يرده الى الهداية قسرا ، ويلجئه اليها إلجاء. وهذا الإعراض منه تعالى يسمى اضلالا وخذلانا واركاسا ، وما اليه .. وبكلمة واحدة ان الإضلال من الله معناه سلبي ، لا ايجابي ، ومعنى الهداية منه ايجابي بنحو من اللطف والتدبير.
ولا بد من التنبيه الى ان حكمة الله سبحانه تستدعي ان يلطف بعبده ، ولا يتخلى عنه ، تماما كما لا تتخلى الوالدة عن وليدها الا إذا كان العبد هو السبب الموجب لتخلي الله عنه لولوجه في العصيان والتمرد كما تتخلى الأم عن ابنها الذي أوغل في العقوق.
(وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَما كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَواءً). كل انسان يود أن يكون جميع الناس على شاكلته. وسبق تفسيره في المجلد الأول ص ١٧٣ الآية ١٠٩ من سورة البقرة.
(فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِياءَ حَتَّى يُهاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ). بعد أن هاجر رسول الله (ص) الى المدينة أوجب سبحانه الهجرة اليها على كل من أسلم إلا إذا عجز عنها ، أو أذن له الرسول لبقاء لمصلحة تعود على المسلمين .. ومن الآيات التي حث الله بها على الهجرة قوله تعالى : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا) ـ ٧٢ الأنفال». والسر ـ كما يبدو لنا ـ ان المسلمين كانوا قلة قبل فتح مكة ، فإذا تفرقوا هنا وهناك ضعفوا وطمع بهم العدو ، وإذا اجتمعوا في مكان واحد حول الرسول الأعظم (ص)