الله أمر النبي أن يستغفر عن عقوبة ذنبه في المخاصمة عن الخائنين .. ونحن نستغفر الله من هذا التفسير ، فان النبي (ص) ـ كما قدمنا ـ لم يخاصم عن الخائنين بدليل الآية الآتية ١١٣ : (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ). أما الأمر بالاستغفار من الذنب فانه لا يستلزم وجود الذنب .. والذي نراه في تفسير الآية ان النبي (ص) بصفته بشرا قد يحسن الظن بمن لا يستحقه ، ثم تنكشف له الحقيقة عن طريق الوحي أو غيره قبل ان يرتب أي أثر على حسن ظنه ، فأمره سبحانه أن يستغفر الله مما يعرض له من حسن الظن بمن ليس أهلا له .. والقصد ان يتحفظ ويحتاط ، ولا يركن إلا بعد اليقين.
(وَلا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ خَوَّاناً أَثِيماً). الخطاب بظاهره للنبي (ص) ، ولكن التكليف عام لكل عاقل بالغ ، بخاصة القضاة والحكام ، أما الذين يختانون أنفسهم فهم من اقترف ذنبا ورمى به بريئا .. ومن جادل عنهم فهو مثلهم ، ومعنى خيانة المرء لنفسه ان يحملها ما لا تطيق من العذاب لإخلاله بالواجبات ، وارتكابه المحرمات ، وقدمنا ان النبي (ص) ما دافع ، ولن يدافع عن الخائنين ، وهذه الآية تؤكد قوله : (وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً) وتبين أيضا ان من ظلم غيره فقد ظلم نفسه ، وانه تعالى يمقت كل خائن وظالم لنفسه ولغيره.
(يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ). يخفي المجرم جريمته ، ويتوارى في الظلام عن أعين الناس رغبة في مدحهم ، أو رهبة من ذمهم ، وكان الأولى أن يعكس القضية فيستخفي من الله ـ لو أمكن ـ ولا يعتني إطلاقا بالناس ، لأن الله وحده هو مالك الضر والنفع ، وغيره لا يغني عنه شيئا ، ومديح الناس وذمهم مجرد كلمات تذهب مع الريح .. وإذا كان الاختفاء من الله محالا فطاعته تكون حتما ، لا ندبا .. ولا حكمة أبلغ من هذا البيت :
فليت الذي بيني وبينك عامر |
|
وبيني وبين العالمين خراب |