ومبلّغ شريعته ، وعصمه عما تآمروا به عليه ، وأطلعه على الحقيقة ، وفضح السارق ، وبرأ الذي رماه بجرمه ظلما وبهتانا .. وقيل : ان المتهم البريء كان من اليهود ، والسارق كان من الأنصار ، وانه بعد ان افتضح هرب وانضم الى المشركين .. وظاهر الآيات ينطبق كل الانطباق على هذه الحادثة ، واليك البيان.
(إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللهُ). نقول ـ ونستغفر الله ـ ان هذا الخطاب من الله لنبيه الأكرم يومئ الى نحو من العتاب ، فكأنه جلت عظمته يقول له : اني اصطفيتك لنفسي ورسالتي دون الخلق ، وأنزلت عليك القرآن لكي تحكم بين الناس بما تعلم علم اليقين انه حكم الله ، والآن أوشك المخادعون أن يغرروا بك ، ولكن الله عصمك عما دبروه لك من حملك على تبرئة غير البريء ، حيث أطلعك على حقيقتهم ومؤامراتهم.
وان دل هذا على شيء فإنما يدل على ان العصمة ليست أمرا قهريا كالطول والقصر ، وانما هي وصف يصرف صاحبه عن الحرام ، مع قدرته على فعله ، ويدفع به الى فعل الواجب ، مع قدرته على تركه.
وهذه الآية رد وإبطال لقول القائلين بأن النبي يحكم في بعض المسائل باجتهاده ، لأنها صريحة واضحة في أنه لا يحكم إلا بوحي من الله .. هذا ، الى ان المجتهد يصيب ويخطئ ، والنبي يفصل في خلاف المجتهدين ، ويبيّن خطأ من أخطأ وصواب من أصاب.
(وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً). النبي ما خاصم ، ومحال أن يخاصم عن الخائنين ، ونهيه عن التخاصم عنهم لا يستلزم وقوعه منه ، بل ان النهي عن المحرم يقع قبل اقترافه ، ولو ورد بعده لانتقض الغرض منه.
وتسأل : إذا كان فعل الحرام محالا على النبي لمكان عصمته ، فما هو المسوغ ـ اذن ـ لنهيه عنه؟.
الجواب : ان لله ان يوجه أمره الى نبيه في جميع الحالات ، لأنه أمر من الأعلى الى من هو دونه في العلو .. هذا ، الى ان الأمر بالواجب ، والنهي عن المحرم كثيرا ما يوجهان من الله الى الأنبياء لمجرد الاعلام بالحكم.
(وَاسْتَغْفِرِ اللهَ إِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً). قال الطبري في تفسيره : ان