المعنى :
(لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ). بعد أن ذكر سبحانه في الآيات السابقة الذين يبيتون ما لا يرضى من القول ، ويجادلون عن الخائنين قال في هذه الآية : (لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ) فضمير نجواهم يعود على هؤلاء بدلالة ظاهر السياق ، ولكنه في المعنى يعم كل نجوى في شئون الناس ، لأن السبب الموجب عام لا يختص بفرد ، دون فرد ، ولا بفئة دون فئة .. والصدقة بذل المال للبؤساء والمعوزين ، والإصلاح بين الناس يوفر عليهم الكثير من المتاعب ، ويدفع عنهم الكثير من المشاكل ، والمعروف ما يعترف العقل والشرع به ويريانه حسنا ، والمنكر ضده ، ويشمل العلم وجميع الأعمال الحسنة ، ومنها الصدقة ، وإصلاح ذات البين ، وخصهما الله سبحانه بالذكر للتنبيه على أهميتهما.
قال الرازي : «ان مجامع الخيرات مذكورة في هذه الآية» .. وأجمع منها قوله تعالى : (إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ).
وتسأل : ان الناس تتناجى في شئون التجارة والصناعة والزراعة ، وما اليها من شئون الحياة ، فهل هذا التناجي مما لا خير فيه؟.
الجواب : ان هذا التناجي خير محض ما دام ضمن حدوده المشروعة ، ومنه ما هو واجب شرعا وعرفا وعقلا ، وهو كل ما لا تتم الحياة إلا به .. والآية بمعزل عن هذا النوع من التناجي ، وانما تعرضت للذين يتناجون ويتحدثون عن الناس ، كما هو شأن البطالين ، يملئون فراغهم بالقال والقيل ، والاشتغال بهذا طويل ، وهذا قصير .. وقد جاء لفظ (كثير) في الآية للدلالة على ان النجوى في شئون الناس لا خير فيها إلا إذا عادت عليهم بالفائدة والنفع بجهة من الجهات .. أما التناجي في شئون الحياة فلم تتعرض له الآية سلبا ولا إيجابا.
(وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً). الأمر بالمعروف خير ، ما في ذلك ريب ، ولكن العامل به لوجه الله ، لا للكسب