والجاه أفضل من الذي يأمر بالمعروف ، ويفلسفه ، ويبين محاسنه وفوائده ولا يعمل به ، بل الحجة على هذا أقوى وأبلغ .. قال تعالى : (إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً) ـ ٣٠ الكهف». ولم يقل : من أحسن قولا .. ان الامر بالمعروف والدعوة اليه وسيلة ، والعمل هو الغاية ، ومن أمر به وأتمر كان ممن عناه الله بقوله : (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صالِحاً وَقالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) ـ ٣٢ فصلت». فالقول المعروف حسن ، ويزداد حسنا إذا اقترن بالعمل .. هذا ، الى أن الأقوال وان ترتب على ظاهرها آثار الإسلام ، كالزواج والميراث ، ولكن لا يدل على الايمان الصحيح إلا الاعمال الصالحات ، قال الإمام علي (ع) : «فبالإيمان يستدل على الصالحات ، وبالصالحات يستدل على الايمان».
(وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً). الشقاق العداوة ، وكل من يعصي الله فهو عدو لرسول الله (ص). قال الإمام أمير المؤمنين (ع) : «ان ولي محمد من أطاع الله ، وان بعدت لحمته ، وان عدو محمد من عصى الله ، وان قربت لحمته». ولكن المراد بعدو الرسول هنا كل من ظهر له الحق ، واقتنع به بينه وبين نفسه ، وقامت عليه الحجة كافية وافية ، مع ذلك أنكره عنادا وتعصبا لهوى في نفسه ، كمن يعرف ان الإسلام حق ، أو انه أهدى من دين قومه ، ومع ذلك يتعصب لدين آبائه حرصا على مصالحه الشخصية من مال أو جاه.
وذكر المفسرون ان هذه الآية نزلت في بشير بن أبيرق الذي أسلم ، ثم ارتد ولحق بالمشركين ، والمعروف من عادة المفسرين انهم يتسامحون في أسباب النزول ، ويذكرون له أية حادثة تقترن بزمن نزول الآية إذا كانت تناسبها ، وهذه الآية تنطبق على ارتداد بشير ، وعلى كل من عاند الحق (مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى).
ومعنى (نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى) ان الله سبحانه يكل كل انسان الى ما انتصر به ، واعتمد عليه ، فمن اعتز بمال أو منصب أو صحة أو عشيرة تخلى الله عنه ، وتركه الى ما اعتز به.