عمران هذا ، وعمران جد المسيح ألف وثمانمائة سنة. والمراد بقوله تعالى : (عَلَى الْعالَمِينَ) ان الله قد اختار كل واحد ممن ذكرهم ، لأنه كان الصفوة الممتازة في أهل زمانه ، لا في كل زمان.
(ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ). ليس من شك أن نوحا فرع عن آدم ، وابراهيم وآله فرع عن نوح ، وآل عمران فرع عن ابراهيم ، وبيان هذا أشبه بتوضيح الواضح وكلام الله يجب أن يحمل على أحسن المحامل .. اذن ، ما هو القصد من هذا الاخبار؟
الجواب : ليس القصد الاخبار عن ان المتأخر فرع عن المتقدم ، وانما القصد ـ كما هو ظاهر السياق ـ مدحهم والثناء عليهم ، وانهم كانوا أشباها ونظائر في القداسة والفضيلة .. وبعد هذا التمهيد ينتقل الى قصة امرأة عمران أم مريم وجدة عيسى (ع).
وخلاصتها ان قوفاذ بن قبيل الاسرائيلي كان له بنتان : اسم إحداهما حنة ، وتزوجها عمران ، وهو اسرائيلي أيضا ، وأولدها مريم ، واسم الثانية ايشاع ، وتزوجها زكريا ؛ وولدت منه يحيى ، فيحيى بن زكريا ، ومريم ام عيسى هما ابنا خالة ، وليس عيسى ويحيى ابني خالة ، كما هو معروف .. هكذا في مجمع البيان.
ومات عمران ، وحنة حامل ، فنذرت حملها لخدمة بيت المقدس ، وتضرعت خالصة لله أن يتقبل نذرها ، وكان هذا جائزا في دينهم ، ولا يجوز في دين الإسلام ، وكانت تنتظر ذكرا ، لأن النذر للمعابد لم يكن معروفا الا للصبيان ، ولما وضعت أنثى توجهت لله ، وقالت : اني وضعتها أنثى .. واني سميتها مريم ، ومريم في اللغة العبرية بمعنى خادم الرب.
وتقبّل الله نذرها ، وان كان أنثى ، واختلف بنو إسرائيل كل يريد أن يكفل مريم ، ويدير شئونها ، ولما اشتدت الخصومة فيما بينهم اتفقوا على الاقتراع ، فكانت من نصيب زكريا زوج خالتها ، وكان آنذاك رئيس الهيكل اليهودي ، فاهتم بها وتفقّد شئونها ، وكان كلما دخل عليها وجد عندها طعاما ، وعهده بها أن لا يدخل عليها أحد ، فسألها متعجبا : أنّى لك هذا! .. قالت هو من