ومنذرين» يذكرونهم ويبصرونهم لئلا يكون لهم على الله حجة؟ وهل يقبل هذا المبدأ التخصيص بشعب ، دون شعب ، وبجنس ، دون جنس؟.
الجواب : ان هذا المبدأ الذي يقول : ان الله لا يترك الناس سدى ، وانه لا بد أن يلقي الحجة عليهم قبل الحساب والعقاب هو مبدأ عام لا يقبل التخصيص بأرض شرقية ، ولا غربية ، ولا بجنس أبيض أو أصفر أو أسود .. ولكن الحجة لا تنحصر بوجود النبي بذاته في كل بلد ، وفي كل جيل ، بل تكون به ، أو بكتاب منزل ، أو بشريعة إلهية يقوم عليها نواب عن النبي ، حتى إذا توفاه الله بقيت الحجة من بعده قائمة بين الناس ، قال أمير المؤمنين (ع) في الخطبة الأولى من نهج البلاغة : «لم يخل سبحانه خلقه من نبي مرسل ، أو كتاب منزل ، أو حجة لازمة ، أو محجة قائمة». والحجة النائب عن النبي ، والمحجة الشريعة التي أتى بها من عند الله ، فكل واحد من هذه الأربعة منفردا أو منضما الى نظيره تقوم به الحجة لله على الناس.
وبهذا نجد تفسير الآية ٣٦ من سورة النحل : (وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ). والآية ٣٥ من سورة فاطر : (وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ). والآية ٤١ من النساء : (فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً). فالمراد بالرسول في الآية الأولى ، وبالنذير في الثانية ، وبالشهيد في الثالثة ـ واحد من الأربعة : الرسول بشخصه أو نائبه أو الكتاب المنزل أو الشريعة القائمة ، ومعلوم ان الثلاثة الأخيرة تنتهي الى النبي ، ولهذا صح اسناد الشهادة وما اليها الى النبي.
وهنا سؤال يفرض نفسه ، وهو : لما ذا لم تذكر العقل مع ما ذكرت من الحجج ، مع ان الله يحتج به كما يحتج بالنبي؟.
الجواب : ان العقل حجة ما في ذلك ريب ، ولكنه حجة مستقلة في معرفة وجود الله ، أما فيما عداها كمعرفة اليوم الآخر ، وحلال الله وحرامه فانه يحتاج الى موقظ ومنبه يرشده اليها ، ويرسم له المنهج الصحيح لإدراكها ، فوظيفة العقل في هذا الميدان الذي نحن بصدده هي أن يفهم ما يتلقاه عن الرسول من موجبات الإيمان ، ودلائل الهدى الى خير الدنيا والآخرة ، ومتى فهم عن الرسول أقر وأذعن من غير تردد.