أمكن الاختلاف بين المصلحين في الاجتهاد ووجهة النظر ، وصح نفي المسئولية عن المخطئ ، أما الاختلاف بين الأنبياء فمحال ، لأنهم جميعا يعتمدون على مصدر واحد ، وهو الوحي الذي يوجه الجميع ، فالأنبياء أشبه بموظفي الدولة لتبليغ أوامرها الى الرعايا والمواطنين.
ويترتب على هذا ان الله إذا بعث نبيين الى أمة واحدة ، وفي عصر واحد فإنهما يكونان متفقين في كل شيء ، كما حدث لموسى وهارون (ع) ، وإذا اختلف زمن الأنبياء وتعدد فإنهم متفقون جميعا ، من حيث الفكرة والمبدأ ، بخاصة في الأصول الأساسية ، كالإيمان بالله واليوم الآخر ، وان كان هناك من اختلاف فإنما هو في الشكل ، وفي الأحكام العملية التي تستدعيها بعض الظروف والملابسات .. حتى هذه يعترف جميع الأنبياء بأنها صدق وحق ، وضرورية في حينها ، وعليه فلا اختلاف بين الأنبياء إطلاقا .. ومن أجل هذا صدّق كل نبي ما جاء به الآخر متقدما عليه كان أو متأخرا عنه.
وتسأل : من الممكن أن يصدّق اللاحق السابق ، بل ان ذلك واقع بالفعل ، فها نحن نؤمن بنبوة عيسى ومحمد (ص) .. وآمن ابراهيم بما جاء به نوح ، وموسى بما جاء به الاثنان ، وعيسى بما جاء به الثلاثة ، وآمن محمد (ص) بالجميع .. ان هذا معقول جدا ، ولكن كيف يعقل ان يؤمن السابق بمن لم يوجد بعد؟. الجواب : ان الله سبحانه يوحي إلى النبي السابق بأنه سيرسل بعده نبيا اسمه وصفاته كذا ، وان على السابق أن ينوّه باللاحق ، ويبلّغ الجيل الذي هو فيه من أمته ، حتى يبلغ الجيل الذي يليه ، وهكذا فإذا أتى اللاحق وجد السبيل ممهدا لتصديقه والايمان برسالته .. ذكرنا هذه الفقرة تمهيدا وتيسيرا لفهم الآيات التالية.
المعنى :
(وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ). المفهوم من دلالة السياق ان المراد بالنبيين هنا الأنبياء والأمم التابعة لهم ، لا الأنبياء وحدهم ، والمراد بالرسول خصوص