المعنى :
(إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ). المشتري هو الله سبحانه ، والبائع المؤمنون ، والثمن الجنة ، والمثمن الأنفس والأموال ، والواسطة في إتمام الصفقة بين البائع والمشتري هم الأنبياء ، على ان يسلم البائع الشيء المبيع عند الطلب ، أما الثمن فمؤجل ، والله هو الضامن له ، إذ لا أحد أوفى منه وأغنى.
وتسأل : ان الله خالق الأنفس ، ورازق الأموال ، فكيف يشتري المالك ما هو ملك له؟.
الجواب : ليس هذا شراء بالمعنى المعروف ، وانما هو حث وترغيب في الطاعة .. وعبّر سبحانه عنه بالشراء لأمرين : أن يثق المطيع بالجزاء والثواب على طاعته ، تماما كما يثق البائع باستحقاقه الثمن بدلا عن سلعته. الثاني : التنبيه الى ان الايمان ليس مجرد كلمات تمضغها الأفواه ، وصورة تمر بالأذهان ، وعاطفة تحس في القلوب ، وانما هو بذل وتضحية بالنفس والمال النفيس رغبة في ثواب الله الذي هو أغلى وأبقى ، تماما كما يتنازل البائع عن ملكه مختارا طمعا في الثمن الذي يراه أنفع وأجدى.
ان أعز شيء على الإنسان حياته ونفسه التي بين جنبيه ، أما حبه للمال فلأنه الوسيلة لحفظها وتحقق أهوائها ورغباتها ، وقد امتحن الله سبحانه من يدّعون الايمان ، امتحنهم بأعز الأشياء لديهم ، ليتميز الصادق في إيمانه من الكاذب ، ولا يحتج هذا غدا بصومه وصلاته ، وقد بخل وأحجم عن العطاء والبذل من نفسه وماله.
(وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا) هذا مثل قوله تعالى : (كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) أي هو الذي أوجبها على نفسه ، فصارت حقا عليه بهذا الإيجاب ، وقد وعد سبحانه المجاهدين بالجنة فصارت حقا لهم عليه بهذا الوعد ، بخاصة بعد أن سجله (فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ) والغرض من هذا التأكيد ان يكون المجاهدون على يقين من الجزاء وعظيم الثواب ، حتى كأنهم يرونه رأي العين ، فيفرحون ويستبشرون. (فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) هذا تأكيد آخر للوعد بالجزاء وحسن الثواب ، وقال علماء الكلام : إذا