أي عجب في هذا؟. فيجعلون من أنفسهم التي سودتها المطامع والآثام مقياسا للحق والصدق .. والغريب ان المشركين كانوا يعترفون بعظمة القرآن وتأثيره البالغ في النفوس ، ويوصي بعضهم بعضا بعدم الاستماع اليه مخافة أن يجذبهم الى الإسلام من حيث لا يشعرون : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ) ـ ٢٦ فصلت». وان دل هذا على شيء فإنما يدل على ان النفاق اسوأ أثرا ، وأشد جرما من الشرك.
وأجاب سبحانه المنافقين بقوله : (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً) أي إذا لم تجدوا أيها المنافقون في نفوسكم أثرا طيبا لسور القرآن وآياته بعد أن طبعت عليها الأهواء والأغراض فإن المؤمنين يزدادون بها هدى ويقينا لأن نفوسهم نقية زاكية لم تدنسها الأقذار والأرجاس كنفوسكم (وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) كلما نزلت سورة أو آية من القرآن لأنها تبشرهم بالجنة ، وترشدهم الى الطريق القويم.
(وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ). كل من ابتعد عن الحق والواقع واستمد إيمانه وآراءه من ذاته وتصوراته فهو مريض القلب والعقل ، وإذا دعي إلى النزول على حكم الواقع ورفض ـ ازداد مرضه وتفاقم .. والنفاق مرض لأنه تزييف وتحريف ، والمنافق يزداد مرضا كلما أوغل في الجحود والعناد للحق وآياته .. وينطبق على المنافق الحديث الذي يشبه الحريص على الدنيا مثل دودة القز ، كلما ازدادت على نفسها لفا كان أبعد لها من الخروج ، حتى تموت غما (وَماتُوا وَهُمْ كافِرُونَ) بسوء اختيارهم ، تماما كما ماتت دودة القز بصنع يديها.
(أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ). المراد بالفتنة هنا افتضاح المنافقين وإظهار أمرهم لدى الجميع ، وتتصل هذه الآية بالآية التي قبلها وهي (وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ) الخ) ووجه الاتصال ان المنافقين كانوا يبيتون الشر للنبي (ص) ، ويطعنون به ، من ذلك قولهم : هو أذن ـ كما سبق ـ وكان الله سبحانه يخبر نبيه الأكرم بما يبيتون ويطعنون ، والنبي (ص) يعاتبهم ويفضحهم ، وقد تكرر هذا في كل عام مرة أو أكثر ، وفيه دلالة قاطعة على صدق الرسول ، وان القرآن من عند الله ، فكان عليهم أن يتعظوا ويؤمنوا ، ولا يقولوا ساخرين ومستهزئين : أيكم زادته هذه إيمانا .. (ثُمَّ لا يَتُوبُونَ