المعنى :
(الر) سبق الكلام عن هذه الحروف في أول سورة البقرة (تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ). تلك إشارة الى أن كل آية من آيات القرآن تشتمل على الحكمة وفصل الخطاب.
(أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنا إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ). لقد استكثر الجاحدون ان يتصل الله بعبد من عباده ، ويصطفيه من دونهم .. ولهذا الاستبعاد أسبابه :
أولها : انهم قاسوا محمدا (ص) على أنفسهم ، فإذا لم يتصل الله بهم فينبغي ان لا يتصل بغيرهم .. ونجد الجواب عن ذلك في الآية ١٢٤ من الأنعام : (اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ) اي ان لمحمد (ص) من الصفات والمكرمات ما يؤهله للرسالة من دونهم.
ثانيها : انهم جهلوا نوع الاتصال بالله ، وحسبوا ان اتصاله تعالى بمحمد ، تماما كاتصال بعضهم ببعض ، وهذا ما ترفضه العقول .. ونجد الجواب عن هذا الوهم في قوله تعالى : (وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً) ـ ٥١ الشورى».
ثالثها : وهو الأهم ، ان محمدا (ص) قد جاءهم بما لا يعتقدون ولا يألفون : (ما سَمِعْنا بِهذا فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ) ـ ٢٤ المؤمنون» .. والجواب قوله تعالى : (قالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) ـ ٥٤ الأنبياء».
(أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ). بعد ان بيّن سبحانه عجب الكافرين من الوحي الى محمد (ص) بيّن حقيقة ما أوحى به اليه ، وانه إنذار وتبشير ، إنذار لمن خالف وعصى أمر الله بالعذاب الأليم ، وتبشير لمن امتثل وأطاع بالثواب الجزيل ، وعبّر عن هذا الثواب بقوله : (أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ). وإذا كان هذا هو الوحي أو الموحى به ، وكان محمد (ص) أهلا لتحمله وتبليغه فأين مكان العجب؟. ان الله سبحانه لا يترك الناس من غير رسول أمين يبلغهم عنه ما يريده لهم من الخير ، ويكرهه من الشر ، ليجتنبوا هذا ، ويفعلوا ذلك ، ولكيلا تكون لهم الحجة عليه لو خالفوا ،