المعنى :
(إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ). الباء في (به) للسببية ، أي ان الدنيا التي تباهون بها وتفاخرون هي أشبه بمطر نزل على الأرض ، فأخصبت وأنبتت من كل زوج بهيج ، واختلط بعض نباتها ببعض لكثرته ونموه (مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعامُ). كل الأحياء عيال على الأرض تملأ بطونهم الجائعة ، فالناس يأكلون حب الزرع وثمر الشجر ، والدواب تأكل الحشائش وما اليها.
(حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ) كالعروس المجلوة انصرفت عن كل شيء ، وتفرغت ليتمتع العريس بها (وَظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها) ويملكون التصرف في ثرواتها ، ويملئون بها جيوبهم وخزائنهم ـ بعد هذا الوثوق والاطمئنان (أَتاها أَمْرُنا) وهو الهلاك والآفات (لَيْلاً أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصِيداً) تماما كالأرض المحصودة (كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ) بعد أن زال كل شيء حتى الآثار التي تخبر عما كان .. فيالنكد الطالع .. لقد خابت الآمال ، وتبخرت الأحلام.
(كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) في ان متاع الدنيا إلى زوال ، وان من ركن اليه وحدها فقد ركن إلى سراب ، وانه ليس بشيء تراق له الدماء ، وتثار من أجله الحروب ، وتسخر لها عقول العباقرة وكبار العلماء.
(وَاللهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ) قال المفسرون : المراد بدار السلام الجنة ، وليس من شك ان الجنة دار السعادة والسلام ، ولكن دعوة الله تعم كل عمل يحقق لعياله الأمن والراحة ، بل ان الله سبحانه حرم الجنة إلا على المتقين والعاملين في هذه السبيل (وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ). ان دعوة الله سبحانه لعمل الخير تشمل كل بالغ عاقل : دون استثناء ، فمن عصى وأهمل فهو الضال ومن أطاع وعمل فهو المهتدي ، ويصح أن تسند هدايته هذه إلى الله لأن الطريق الذي سلكه اليها كان بأمر الله وعنايته وتوفيقه ، أما ضلال من ضل فلا تصح نسبته اليه تعالى بحال ، لأنه قد نهاه عنه ، والله لا ينهى عبده عن عمل ثم يلجئه اليه إلجاء.