وفي هذه الآية ٤٨ أشار تعالى الى انهم أجابوا عن هذا التهديد بقولهم استخفافا واستهزاء : متى يكون ذلك؟. (قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلا نَفْعاً إِلَّا ما شاءَ اللهُ) أي انكم تسألونني عن شيء لا املك من أمره شيئا ، بل ولا من أمر نفسي ، فبالأولى غيرها. وتقدم نظيره في سورة الأعراف الآية ١٨٧.
(وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ). تقدم مثله في سورة الأعراف الآية ٣٣ ، وتكلمنا عن الأجل مفصلا في ج ٢ ص ١٧١ فقرة «الأجل محتوم» عند تفسير الآية ١٤٥ من سورة آل عمران.
(قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُهُ بَياتاً أَوْ نَهاراً ما ذا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ). أرأيتم معناها اخبروني .. كذب المشركون بعذاب الآخرة ، واستعجلوه مستهزئين ، فأمر الله نبيه ان يقول لهم : اخبروني ما أنتم صانعون إذا نزل بكم العذاب ، وأنتم إيقاظ او نيام ، ثم اي عذاب تستعجلون ايها الحمقى؟ هل تستعجلون عذاب الدنيا ، او عذاب الآخرة؟ وأيا كان هل تقدرون على دفعه والخلاص منه؟ وهل من احد يستطيع الفرار من الله الا اليه؟.
(أَثُمَّ إِذا ما وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ). لقد شاهدنا كثيرا من الحمقى يحاولون الاقدام على الأخطار والمهالك ، او يحجمون عما فيه خيرهم وصلاحهم ، فينصحهم العقلاء المشفقون ، ويحذرونهم سوء العواقب ، فيصمون آذانهم ، ويركبون عنادهم ، فيفعلون الشر ، او يتركون الخير مستخفين بالعاقبة ومن حذّر منها ، حتى إذا وقعت الواقعة قالوا : يا حسرتنا على ما فرطنا في نصح الناصحين .. وهذا هو بالذات حال المكذبين باليوم الآخر ، كذبوا به ، حيث ينفعهم التصديق والعمل ، وصدقوا به ، حيث لا عمل ولا جدوى من الاعتراف والتصديق.
(آلْآنَ وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ) آلآن وأنتم في يوم الحساب والعقاب الذي لا ايمان فيه ولا عمل تعترفون وتؤمنون ، وفي يوم الايمان والعمل أنكرتم وأعرضتم؟. ان الايمان بالله واليوم الآخر هو الاعتراف بهما في علم الغيب ، اما الاعتراف بهما بعد الرؤية وجها لوجه فما هو من الايمان المطلوب في شيء ، وان استحال الفرض بالنسبة الى رؤيته تعالى.
(ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ). السجن المؤبد في الحياة الدنيا