المعنى :
(وَما تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَما تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ). الخطاب في تكون للنبي (ص) ، والضمير في منه للشأن ، وضمير تعملون للنبي وأمته ، وضمير فيه للعمل ، وتفيضون فيه أي تدخلون فيه ، والمعنى الجملي أن ما من حال يكون عليها النبي وأمته إلا وهي في علم الله (وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ). معنى يعزب يغيب ، والكتاب المبين اللوح المحفوظ ، ويتلخص مجموع الآية بأن الله واسع عليم بكل شيء دون استثناء ، والمراد بعلمه هنا جزاؤه على أقوال الناس وأفعالهم خيرا كانت أو شرا ، كبيرة كانت أو صغيرة ، واطلاق علمه على جزائه تعالى من باب اطلاق السبب وارادة المسبب ، لأن علمه بما يصدر من الإنسان سبب للجزاء عليه ، ان خيرا فخير ، وان شرا فشر.
(أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ). ووصف الإمام علي (ع) أولياء الله بقوله : «هم الذين نظروا إلى باطن الدنيا إذا نظر الناس إلى ظاهرها ، واشتغلوا بآجلها إذا اشتغل الناس بعاجلها ، فأماتوا ما خشوا أن يميتهم ـ أي الهوى ـ وتركوا منها ما علموا انه سيتركهم». وقال : «ان أولى الناس بالأنبياء أعلمهم بما جاءوا به ، وان ولي محمد من أطاع الله وان بعدت لحمته ، وان عدو محمد من عصى الله وان قربت قرابته». ومعنى هذا ان مجرد التصديق بلا تقوى وعمل لا يجدي نفعا ، واليه يشير قوله تعالى : (الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ). وتكلمنا عن ذلك في ج ١ ص ٣١٤ فقرة : «لا ايمان بلا تقوى» عند تفسير الآية ٢١٢ من سورة البقرة ، وفي ج ٢ ص ٢٣٧ فقرة «التقوى» في آخر سورة آل عمران.
(لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ). ضمير لهم يعود الى المتقين ، وبشارتهم في الدنيا من الله تعالى انهم على حق في عقيدتهم وعملهم .. وليس من شك ان النفس تطمئن وتستشعر الغبطة والسعادة إذا كانت على ثقة من دينها