(وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللهِ وَلا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً). أفضل الطاعات عند الله جهاد المبطلين أعداء الحق والانسانية ، وإلى هذا الجهاد أشار بقوله سبحانه : (وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ). وأكبر المعاصي الركون اليهم ، واليه أشار تعالى بقوله : (وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ ...) الخ) ، وكل من يلجأ الى أهل البغي والعدوان ويربط مصلحته بمصالحهم فهو عدو لله ولرسوله وللمؤمنين ، وعلى كل مخلص أن يشهر به ، ويكشف عن دوره في التخريب والعمالة ، ليميز الناس بينه وبين المكافح الأمين ، ويضعوا كلا في المكان الذي يستحقه. (وَاللهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ). أجل ، انه خبير عليم ، ولكنه لا يعاقب أحدا على ما يعلم منه ، بل على ما تكشف عنه بفعله وسلوكه.
(ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللهِ). جاء في كتب اللغة. يقال : عمر المنزل بأهله أي صار مسكونا بهم ، وعمر فلان ربه أي عبده. وشاع على ألسنة الناس : المساجد عامرة بذكر الله. وفي الحديث : «قال الله : بيوتي في الأرض المساجد ، وان زواري فيها عمارها». وعلى هذا المعنى يحمل قوله تعالى : (يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللهِ) أي ليس للمشركين أن يدخلوها ، ويقيموا فيها عبادتهم الوثنية ، كما كانوا يفعلون أيام الجاهلية ، وبالأولى أن لا يكون لهم التولية عليها ، ويؤيد ارادة هذا المعنى قوله تعالى : (شاهِدِينَ عَلى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ) لأن عبادتهم الأصنام ودعاءهم اللات والعزّى شهادة من أنفسهم على أنفسهم بأنهم كافرون بالله ، ومن كفر بالله لا يحق له ان يدخل بيوت الله (أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ) لأن الله لا يقبل مع الشرك عملا (وَفِي النَّارِ هُمْ خالِدُونَ) لأن الشرك أحبط جميع أعمالهم ، حتى ما كان حسنا لولا الشرك.
(إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللهَ). أي لا يجوز لأحد أن يدخل المساجد ويتعبد فيها أو يتولى شيئا من أمورها إلا إذا اجتمعت فيه هذه الصفات ، وهي الإيمان بالله واليوم الآخر ، وإقامة الشعائر الدينية ، وأهمها إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة ، والخوف من الله أي الإخلاص له في الأقوال والأفعال (فَعَسى أُولئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ) إلى الحق والعمل به ، وكلمة عسى من الله تفيد اليقين ، لأن الشك محال عليه.