حوتا عظيما حبس عليهم سفينتهم ، فأيقنوا انه يطلب واحدا منهم ، فاتفقوا على الاقتراع ، فوقع السهم على يونس ، فألقوه أو ألقى هو نفسه في البحر ، فابتلعه الحوت ، كما جاء في سورة الصافات : وان يونس لمن المرسلين إذ ابق ـ اي هرب ـ الى الفلك المشحون فساهم فكان من المدحضين ـ اي المغلوبين بالقرعة ـ فالتقمه الحوت وهو مليم ، اي وهو يلوم نفسه.
وألهم الله الحوت ان يطوي يونس في بطنه ، دون ان يمسه بأذى ، وفزع يونس الى ربه يناديه ويستجير به ، وهو في جوف الحوت (١) ، والى هذا أشارت الآية ٨٧ من سورة الأنبياء : «فنادى في الظلمات ان لا إله إلا انت سبحانك اني كنت من الظالمين فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين».
ثم نبذه الحوت على ساحل البحر بعد ان لبث في جوفه ما شاء الله ان يلبث. قال المفسرون : ان يونس خرج من بطن الحوت كالفرخ الممتعط ، وان الله أنبت عليه شجرة من يقطين يستظل بها ، وذلك حيث يقول عز من قائل : (فَلَوْ لا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ فَنَبَذْناهُ بِالْعَراءِ) ـ اي في مكان خال من النبات ـ (وَهُوَ سَقِيمٌ وَأَنْبَتْنا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ) ـ ١٤٦ الصافات». قالوا ، وعاد يونس بعد هذا الى قومه ، ففرحوا بقدومه ، وفرح هو بإيمانهم.
(وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً). أي لو شاء الله ان يكره الناس على الايمان ويلجئهم اليه إلجاء ، أو يخلقهم منذ البداية مؤمنين ـ لو شاء ذلك لما وجد كافر على ظهرها ، ولو فعل لبطل الثواب والعقاب ، وكان فعل الإنسان كالثمرة على الشجرة .. وسبق نظير هذه الآية في سورة الأنعام : (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى) ـ ٣٥» .. (وَلَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكُوا) ـ ١٠٧» وفي سورة البقرة : (وَلَوْ شاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ) ـ ٢٥٣». وتكلمنا عن ذلك مفصلا في ج ١ ص ٣٨٨.
(أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) الخطاب لمحمد (ص) ، والمعنى لقد شاءت حكمته تعالى ان يكون الخيار في الانقياد الى الحق ، او عناده بيد
__________________
(١). لو تنبه الى هذه الآية الكريمة الذين ينسبون المخترعات الحديثة الى القرآن لقالوا : ان حوت يونس يشير الى الغواصة. انظر المجلد الأول من هذا التفسير ص ٣٨ ، فقرة «القرآن والعلم الحديث».