هنا خدمته. وجاء في اكثر التفاسير ، ومنها تفسير الطبري والرازي والنيسابوري والسيوطي :
«ان العباس بن عبد المطلب كان يسقي الناس في الحجّ ، وان طلحة بن شيبة من بني عبد الدار كان يحمل مفتاح الكعبة ، فقال طلحة : انا صاحب البيت معي مفتاحه ، وقال العباس : انا صاحب السقاية ، فقال علي بن أبي طالب : لا ادري ما تقولان ، لقد صليت إلى القبلة ستة أشهر قبل الناس ، وانا صاحب الجهاد. فأنزل الله أجعلتم سقاية الحاج الخ».
فعلي هو المقصود بقوله تعالى : (كَمَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجاهَدَ فِي سَبِيلِ اللهِ) هذا هو ميزان الفضل عند الله : الايمان به والجهاد في سبيله ، اما الوظائف والمناصب فكثيرا ما قادت أصحابها إلى المفاسد والمهالك (لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللهِ) في الجزاء والثواب (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) بعد ان دعاهم إلى الهدى ، فرفضوا بسوء اختيارهم.
(الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ). واين تقع سقاية الحاج وعمارة المسجد من الايمان والهجرة والجهاد ، ومرّ نظير هذه الآية في سورة الأنفال الآية ٧٢. وكلمة أعظم هنا لا تعني المفاضلة ، وإنما تعني مجرد ثبوت الفضل للمؤمنين ، لأن الكافرين لا شيء لهم عند الله من الدرجات.
(يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيها نَعِيمٌ مُقِيمٌ خالِدِينَ فِيها أَبَداً إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ). قال صاحب (البحر المحيط) : «اتصف المؤمنون بصفات ثلاث : الايمان والهجرة والجهاد فقابلهم الله بثلاث : الرحمة والرضوان والجنان.» وأطال الرازي الكلام في بيان الفرق بين هذه الأوصاف .. اما نحن فنرى انها هي والفوز والأجر تعبّر عن معنى واحد ، وهو ان المؤمنين العاملين هم في رعاية الله وامانه ، وكلمة رضوان الله تغني عن الجميع: «ورضوان من الله اكبر» ولكنه جل شأنه أراد التعظيم من شأنهم ، وترغيب عباده في الايمان والعمل الصالح.