وصدرك فاعل ضائق سادّ مسد الخبر. والمصدر المنسبك من ان يقولوا مفعول لأجله لتارك أي مخافة قولهم. ولولا بمعنى هلا. أم يقولون افتراه / (ام) بمعنى بل ، وضمير افتراه لبعض ما يوحى ، أو لما يوحى. ومثله صفة لسور ، ومفتريات صفة ثانية. وما في انما انزل كافة لأن عن العمل. وان لا إله إلا هو ، والجملة من لا واسمها وخبرها خبر ان.
المعنى :
(فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ). كان النبي (ص) يتلو على المشركين آيات من القرآن داعيا الى الايمان بالوحدانية والبعث ، وكانوا يهزءون حينا ، وحينا يقترحون عليه معجزات تعنتا ، لا استرشادا ، وكان موقفهم هذا من دعوة النبي (ص) يحزنه ويؤلمه ، فقال له المولى جل ثناؤه مخففا عنه : امض في دعوتك ، ولا تبال بما يقولون ويقترحون .. وما ذا تصنع لتتقي أقوالهم وتعنتهم؟ هل تترك بعض ما يوحى اليك ، وتحذف من القرآن ما لا يعجبهم من آياته؟. كلا ، انك لن تفعل. اذن ، لما ذا الحزن وضيق الصدر؟. هذا هو المعنى المراد من قوله تعالى : (فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ) لأن النبي (ص) معصوم ، لا يترك شيئا مما يوحى اليه ، ومحال ان يترك ، فالآية أشبه بقوله تعالى : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ) ـ ٤٢ المائدة».
(وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جاءَ مَعَهُ مَلَكٌ) اقترح المشركون على النبي فيما اقترحوا ان تمطر السماء ذهبا وفضة ، أو يأتي ملك من الملائكة يشهد بنبوته .. هكذا يفكر أصحاب الأموال والثروات قديما وحديثا ، ويؤمنون بأن المناصب الشريفة يجب أن تكون وقفا على الأغنياء ، أما الفقراء فيجب ان يكونوا بمعزل عن القيادات والمناصب .. وكان تعنتهم هذا يسبب للنبي الهمّ والكرب ، فقال له المولى : (إِنَّما أَنْتَ نَذِيرٌ) عليك ان تبلغ ما أوحي اليك ، ولا تكترث بسفاهة السفهاء ، وجهل الجهلاء (وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ). فالأقوال لديه محفوظة ، والسرائر مبلوّة ، وكل نفس بما كسبت رهينة .. ويتصل بهذه الآية ما ذكرناه في ج ٣ ص ٢٤٨ بعنوان : «طراز من الناس».