يتحدث باسم الله من دونهم .. انهم نظروا الى القائل ، ولم ينظروا الى القول ، وقاسوا الحق بالرجال ، ولم يقيسوا الرجال بالحق.
وتسأل : ان هذا لا يختص بقوم نوح (ع) ، فلقد رأينا أكثر الناس ينقادون الى الغريب ، دون القريب ، حتى اشتهر في الأمثال : بنت الدار عوراء.
الجواب : أجل ، ان هذا الخلق لا يختص بقوم نوح ، والآية لا تنفيه عن غيرهم ، وانما تذمهم من أجله ، وهذا لا ينفي الذم عن أمثالهم وأشباههم.
الشبهة الثانية التي تذرع بها المترفون قولهم : (وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ) والأراذل في مفهومهم الفقراء والمساكين الذين لا جاه لهم ولا مال ، والمترفون أجل وأعظم من أن يؤمنوا بمن آمن به الأراذل (وَما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ) الخطاب في (لكم) لنوح ومن آمن معه ، والمعنى قال المترفون الطغاة لنوح والمؤمنين : كيف نتبعكم ولا تمتازون علينا بجاه ولا مال ، تماما كما قال مشركو قريش لمحمد (ص) : «لولا أنزل عليه كنز» .. (وَقالُوا لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) ـ ٣١ الزخرف» (بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ) لأنكم فقراء مساكين .. هذا هو منطق الأثرياء الضالين ، التعصب للجاه والمال .. أما النوايا الخيرية ، والأعمال الصالحة فكلام فارغ.
(قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ). هذا جواب قولهم : كيف نؤمن لك ، وأنت بشر مثلنا؟. ومعنى الجواب اخبروني ما أصنع إذا اختارني الله لرسالته ، وخصني من دونكم برحمته ، وزودني ببينة منه على هذه الرسالة؟. ما رأيكم؟. هل أرفضها ، وأقول لله ، لا أريد النبوة منك ، ولا أحمل رسالتك إلى عبادك ، لأنكم لا تعقلون؟ (فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ) أي خفيت الرسالة عليكم ، وعجزتم عن فهمها (أَنُلْزِمُكُمُوها) أي أتريدون مني ان أكرهكم على الإيمان برسالتي (وَأَنْتُمْ لَها كارِهُونَ)؟. وإذا كره القلب عمي عن رؤية الحق.
(وَيا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ) ـ أي على الانذار ـ (مالاً إِنْ أَجرِيَ إِلَّا عَلَى اللهِ). لأن من يتكلم باسم الله لا يطلب الأجر من سواه ان كان صادقا في كلامه ، والمرتزقة باسم الدين هم الذين يسألون الناس أموالهم وصدقاتهم ، وما أكثرهم في هذا العصر.