المعنى :
(وَنادى نُوحٌ رَبَّهُ فَقالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ) في الآية السابقة ٤٠ أمر الله نوحا أن يحمل أهله في السفينة إلا من ينهاه عن حمله منهم ، ولم ينه الله نوحا عن حمل ابنه ، كما لم يأمره بحمله ، بل سكت عن ذلك لحكمة هناك .. فظن نوح ان الله سبحانه قد كتب النجاة الى جميع أهله ، سواء منهم الطائع والعاصي ، ومن أجل هذا نادى ربه مستنجزا وعده في ابنه بحسب ظنه ، لأنه من أهله.
وتسأل : ان نوحا نبي ، والنبي معصوم ، فكيف يجوز عليه أن يظن خلاف الواقع؟.
الجواب : ان الظن المخالف للواقع لا يضر بالعصمة إذا كان مجردا عن العمل ، ولم يترتب عليه أي اثر في الخارج ، لأنه يكون ، والحال هذه ، أشبه بالخيال يمر بالذهن ثم يزول ، كأن لم يكن .. وعلى فرض ان المعصوم أراد العمل بظنه المخالف للواقع فان الله سبحانه يكشف له عنه ، ويعصمه عن الوقوع في الخطأ. وأوضحنا ذلك عند تفسير الآية ١٠٥ من سورة النساء ج ٢ ص ٤٣٠.
(قالَ يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ) أي ذو عمل غير صالح .. يقول الله جلت عظمته لنوح جوابا له عن سؤاله في شأن ولده ، يقول له : لقد أمرتك أن تحمل أهلك في السفينة إلا من أنهاك عن حمله ، وما نهيتك عن حمل أحد منهم لحكمة اقتضت ذلك ، ولكن سبقت مشيئتي أن يكون ابنك من المغرقين ، لأنه ليس من أهلك بسبب عمله غير الصالح ، فإن أهل الأنبياء هم المتقون الصالحون ، وان بعد النسب ، وان أعداءهم العاصون ، وان قرب النسب .. ويؤكد ارادة هذا المعنى قوله تعالى في الآية ٦٨ من سورة آل عمران : (إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ) ومنه أخذ الإمام علي قوله : «ان ولي محمد من أطاع الله ، وان بعدت لحمته ، وان عدو محمد من عصى الله ، وان قربت قرابته». وقال الشاعر :
كانت مودة سلمان لهم رحما |
|
ولم تكن بين نوح وابنه رحم |