المنار : لم يجادل إبراهيم من أجل قوم لوط ، وإنما جادل من أجل لوط ، وانه خاف أن يصيبه ما يصيب قومه من العذاب ، واستدل المفسرون على ذلك بالآية ٣٢ من سورة العنكبوت : (قالَ إِنَّ فِيها لُوطاً قالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيها لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ). والصحيح ان هذه الآية لا تمت الى مجادلة ابراهيم بصلة ، وإنما هي مجرد اخبار منه بأن فيها لوطا ، ولذا قالوا له : نحن أعلم بمن فيها. والآية التي نفسرها نص في المجادلة من أجل قوم لوط ، لا من أجل لوط .. بالاضافة الى قوله تعالى : (وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ) فالضمير في انهم وآتيهم يعودان الى قوم لوط الذين جادل ابراهيم فيهم ومن أجلهم.
ولكن المفسرين قالوا : ان المجادلة في قوم لوط جرأة على الله وابراهيم (ع) معصوم عن الذنب ، فلا بد ان تكون المجادلة في لوط ، لا في قومه.
ويلاحظ أولا : لا فرق بين المجادلة في لوط ، وفي قومه ، فإن كانت هذه جرأة فكذلك تلك.
ثانيا : ان المجادلة مع الله في دفع العذاب عن عباده أو تأخيره ليست من الذنب والمعصية في شيء ، بل العكس هو الصحيح ، لأن هذه المجادلة لا مخالفة فيها ولا نزاع ، وإنما هي من باب طلب الرحمة من القوي للضعيف ، وهذا الطلب يدل على الحلم والرأفة ، ولذا أثنى الله على ابراهيم بأجمل الثناء ، ووصفه بأنه (لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ) بعد ان سأله الرفق بقوم لوط.
ثالثا : ان ابراهيم جادل في قوم لوط ليكون على يقين من أنهم بلغوا من التمرد الحد الذي لا يرجى معه صلاحهم وهدايتهم ، تماما كقوله : «بلى ولكن ليطمئن قلبي». ويؤكد ارادة هذا المعنى قوله سبحانه : (يا إِبْراهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هذا إِنَّهُ قَدْ جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ). أي لا تسألني يا ابراهيم في قوم لوط ، فإنهم مهلكون لا محالة ، لاصرارهم على الشرك والفساد وايأس منهم ومن توبتهم.