المعنى :
(إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خافَ عَذابَ الْآخِرَةِ ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ). ان في ذلك اشارة الى أخذه تعالى للقرى الظالم أهلها بالعذاب الشديد ، والمعنى ان في هذا الأخذ الأليم عبرة لمن آمن بالله ، وتذكيرا لمن يخاف عذاب يوم تشهده جميع الخلائق حين يجمعهم الله فيه للحساب والجزاء.
وتسأل : ان الطوفان او الزلزال ونحوه كثيرا ما يحدث لأسباب طبيعية ، والطبيعة عمياء لا تميز بين المؤمن والجاحد ، والمجرم والبريء ، فمن الجائز أن يكون الذي حدث لأقوام الأنبياء من هذا الباب؟
الجواب : لقد كان النبي ينذر قومه بحدوث العذاب ، ويحدد نوعه ووقته قبل حدوثه ، فيأتي قوله على وفق الواقع ومن صلبه ، ولا يمكن تفسير ذلك بالتنبؤ العلمي حيث لا مراصد ولا أدوات للعلم في ذاك العهد ، وأيضا لا يمكن تفسيره بالبديهة والحدس لأن النبي كان يخبر عن ثقة وبلسان الجزم ، ويقول : هذه هي الحقيقة وسترون ، ولا بالصدفة لمكان التكرار ، وإذا بطلت جميع هذه الفروض والتفسيرات تعين التفسير بالوحي ومشيئة الله لأنه هو وحده الفرض الصحيح.
(وَما نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ). لكل شيء عند الله مدة وأجل لا يسبقه ولا يتجاوزه ، ومن ذلك فناء الدنيا ومجيء الآخرة (يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ) فيؤذن لها بالكلام والدفاع في موقف دون موقف ، كما هو الشأن في الكثير من محاكم الدنيا (فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ) وشقاوة الإنسان غدا أو سعادته انما تكون بعمله في الدنيا ، لا بقضاء الله وقدره ، أما خبر «الشقي شقي في بطن أمه ، والسعيد سعيد في بطن أمه» فمشكوك فيه ، وظاهره يناقض عدل الله ورحمته .. الى جانب انه من اخبار الآحاد ، وهي حجة في الأحكام الشرعية كالحلال والحرام والطاهر والنجس ، لا في أصول العقيدة وما يتصل بها.
ثم حدد أهل الشقاوة بقوله : (فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ). وبديهة ان الله لا يعذب إلا من تمرد وأفسد ، فالشقاوة ـ اذن ـ تكون بالكسب والعمل ، لا بالقضاء والقدر .. والزفير والشهيق كناية عن أحزان أهل النار