وآلامهم (خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ). وقد أطال المفسرون الكلام حول التعليق على مشيئة الله هنا ، وذكروا وجوها جعلت المعنى من الطلاسم والمتشابهات ، وهو من المحكمات والواضحات ، ويتلخص بأن من يدخل جهنم بأي ذنب من الذنوب فلا يستطيع الخروج منها بنفسه ، ولا بشفيع ومعين ، ولا بفداء ، فهو من هذه الجهة خالد فيها .. ولكن إذا شاء الله أن يخرجه منها خرج ، وانتفى عنه وصف الخلود في النار ، لأن ارادته تعالى لا يحدها شيء (إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ) ، وكل شيء يرجع في النهاية الى إرادته ولا ترجع إرادته إلا اليه وحده ، فسبب الخلود يؤثر أثره ما دام الخالق مريدا له ذلك ؛ وان لم يشأ لم يكن عملا بمبدإ : «إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون».
وكما حدد أهل الشقاوة بالخالدين في النار حدد أهل السعادة بالخالدين في الجنة (وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ) أي غير مقطوع. وتسأل : ان من يدخل الجنة فلا يخرج منها ، اذن ، ما هو القصد من التعليق على مشيئة الله تعالى؟.
وقيل في الجواب : ان الله يخرجهم من نعيم الجنة إلى نعيم مثله أو أحسن .. أما الذي نفهمه نحن من هذا التعليق فهو مجرد الاشارة الى قدرة الله وعظمته ، وان الأسباب المعروفة انما تفعل فعلها إذا لم تصطدم بإرادته تعالى ، فالنار تحرق إذا لم يقل لها الخالق : كوني بردا وسلاما.
(فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هؤُلاءِ). الخطاب لمحمد (ص) ، وهؤلاء إشارة الى قومه الذين كذبوه ، وما شك محمد ، ولن يشك أبدا في أنهم على باطل في عبادتهم ، ولكن القصد توبيخهم وتحذيرهم (ما يَعْبُدُونَ إِلَّا كَما يَعْبُدُ آباؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ). هذا تعليل لليقين وعدم الريب في بطلان ما يعبد هؤلاء ، لأنه مثل ما عبد الأولون الذين جل بهم العذاب لشركهم وعبادتهم الأصنام. (وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ) تماما كما وفينا لآبائهم النصيب الذي استحقوه من العذاب ، ولم ننقص منه شيئا.
وتسأل : ان هذا تقنيط من عفو الله ورحمته ، وهو يتنافى مع قوله تعالى : (قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ) ٥٢ الزمر».