الأبواب ، ولم يقل : وأغلقت الأبواب؟. وأجاب : «بأن هذا يشعر انها لما يئست ورأت منه محاولة الانصراف أسرعت في ثورة نفسها مهتاجة تتخيل القفل الواحد أقفالا عدة ، وتجري من باب إلى باب ، وتضطرب يدها في الاغلاق كأنما تحاول سد الأبواب لا إغلاقها فقط».
أما نحن فلا نرى أي فرق بين غلقت وأغلقت ، وان دل تصوير الرافعي على شيء فإنما يدل على مكانته في الأدب ، ومقدرته على إخراج شيء من لا شيء. ومهما يكن فقد عاش يوسف مع امرأة العزيز تحت سقف واحد أمدا غير قصير ، وكان في ريعان شبابه ، وضيء الطلعة ، فتانا في هيئته ومنظره .. فلا عجب أن تفتتن به ، وتتهالك «امرأة». وأيضا لا عجب أن يصمد يوسف (ع) لوسائلها ، وينجو من حبائلها على رغم ان الجنس صرع كثيرا من العقول .. فليس الإنسان عبدا لغريزة الجنس فقط ، كما قال فرويد : ولا للرغبة في المال والاقتصاد ، كما قال ماركس : وانما هو مسير بكثير من الدوافع والمحرضات ، منها الجنس والمال ، ومنها الشهرة والسيطرة ، ومنها الدين والعادات ، وحب الخير والوطن ، ونحو ذلك.
وقد يتنازع الإنسان عاملان متضادان : خيّر يهديه إلى سبيل النجاة ، وشرير يسوقه إلى طريق الهلاك ، ويتذبذب هو بينهما أمدا يطول أو يقصر الى ان يتغلب أحد العاملين على الآخر ، وقد يستمر التوازن بينهما إلى النهاية ، فيبقى الإنسان حائرا مذبذبا تبعا لهذا التوازن مدى حياته.
وقد تنازع امرأة العزيز عاملان : شهوتها الحيوانية تدعوها الى مراودة يوسف عن نفسه ، وينهاها العز والكبرياء عن التذلل لمن ابتاعه زوجها بثمن بخس ، وبقيت تتذبذب حائرة بين هذين العاملين أمدا غير قصير ، ثم انهارت أعصابها ، ووقعت فريسة النزوة وشهوة الجنس التي تجسمت في قولها الثائر الفاجر : «هيت لك» .. ولا تقولها أنثى إلا إذا اشتد اهتياجها وغليانها حتى بلغ الجنون.
أما يوسف (ع) فلم يكن له الا دافع واحد ، ورغبة واحدة هي التي تقوده وتسيره ، ولا ذرة لغيرها في قلبه وعقله .. وهي تقوى الله ومرضاته ، فهي هي لذته ومتعته ، ومطلبه وأمنيته : (قالَ مَعاذَ اللهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ