السؤال الثاني : ان الإسلام لا يكره أحدا على اعتناقه بدليل قوله تعالى : (لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ). وقوله : (أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ). فكيف أمر بقتال أهل الكتاب حتى يؤمنوا أو يدفعوا الجزية عن يد وهم صاغرون؟.
وقد ذكرنا هذا السؤال عند تفسير الآية ٢ من هذه السورة التي أمرت بقتال المشركين ، وأجبنا عنه بأن الأمر بقتالهم كان حكما خاصا آنذاك لسبب خاص ، وهو ان المجتمع الاسلامي كان في بدء تكوينه ، وان المشركين كانوا طابورا خامسا يكيدون للإسلام وأهله ، فاقتضت المصلحة إخراجهم من الجزيرة أو قتلهم .. والأمر هنا بقتال اهل الكتاب أمر خاص بالذين كانوا في الجزيرة لسبب خاص ايضا ، وهو ان اهل الكتاب كانوا يتحالفون مع المشركين على محاربة المسلمين ، كما فعل يهود المدينة وما حولها بعد تأمين النبي لهم ، وجعلهم حلفاء له.
وفوق ذلك فإن محور هذه السورة يقوم على غزوة تبوك ، كما يأتي في الآية ٣٨ وما بعدها ، وقد بلغ النبيّ (ص) ان الروم ، وهم في الشام على أطراف الجزيرة ، يجمعون الجيوش للانقضاض على الإسلام وأهله ، وكانت كل القرائن والدلائل تؤكد ان أهل الكتاب في الجزيرة كانوا عينا وعونا للروم النصارى على المسلمين ، وانهم يتآمرون معهم على النبي ومن اتبعه من المؤمنين. ومن أجل هذا كان الحكم فيهم القتل أو إلقاء السلاح والخضوع لحكم الإسلام ، مع إعطاء الجزية التي تعبّر عن مسالمتهم والوفاء بعهدهم ، فان اختاروا الجزية وجب تأمينهم وحمايتهم والدفاع عنهم واعطاؤهم الحرية في دينهم ومعاملاتهم ، وإذا اسلموا كان لهم ما للمسلمين ، وعليهم ما عليهم ، وإلا فالقتل اتقاء لشرهم.
وأطال المفسرون والفقهاء الكلام عن محل الجزية وتقديرها وشروطها ، وكان حديثهم عنها فيما مضى مجديا حيث كان للإسلام دولته وقوته ، أما اليوم فالحديث عن الجزية تكثير كلام.
(وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ) .. أما قول النصارى بأن المسيح ابن الله فمعروف ، وتكلمنا عنه عند تفسير الآية ١٧ من سورة المائدة ، أما قول اليهود عزير ابن الله فقد نقل صاحب تفسير المنار ان اسم عزير جاء في اسفار اليهود المقدسة ، وأيضا نقل عن دائرة المعارف اليهودية