الجزيرة العربية ـ أمر في هذه الآية بقتال أهل الكتاب إذا لم يعطوا الجزية ويخضعوا لحكم الإسلام. وقد وصفهم الله بأنهم لا يؤمنون بالله واليوم الآخر ، ولا يحرمون حرام الله ، ولا يدينون بالحق.
وتجدر الإشارة الى أن (من) في قوله تعالى : (مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) هي لبيان الجنس ، تماما كما في قوله : (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ). وقيل : هي للتبعيض مثل منهم كذا ، ومنهم كذا.
وهنا سؤالان : الأول ان الآية نفت عن أهل الكتاب الإيمان بالله واليوم الآخر ، مع العلم بأنهم يؤمنون بوجود الله ، لأن كلمة أهل الكتاب تدل بذاتها على ايمانهم بالله الذي أنزل التوراة والإنجيل ، وكذلك يؤمنون باليوم الآخر بنص الآية ٨٠ من سورة البقرة : (وَقالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً) .. اجل ، انهم لا يدينون دين الحق ، فاليهود يعبدون المال ، والكنيسة تبيع صكوك الغفران ، وتقول بالحلول والاتحاد.
ونجد الجواب في الآية التي بعد هذه الآية بلا فاصل ، وهي قوله تعالى : (وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ). ووجه الجواب ان اليهود والنصارى جعلوا لله ولدا ، ومعنى هذا انهم يؤمنون بإله لا وجود له إلا في أوهامهم ، أما الإله الموجود حقا وواقعا فإنهم لا يؤمنون به .. فلقد تصوروا من عندياتهم إلها موصوفا بأنه يلد أولادا ، ونظّموا علاقاتهم معه وفقا لهذا التصور الخاطئ ، أما الإله الحقيقي ، وهو الذي لم يلد ولم يولد ، فإنهم لا يؤمنون به ، ولا تربطهم به أية رابطة قريبة أو بعيدة. وبكلمة أخصر وأوضح ان الإله الموجود لا يؤمنون به ، والإله الذي يؤمنون به لا وجود له.
والنتيجة الحتمية لذلك انهم لا يؤمنون بالله ، وبديهة ان من لا يؤمن بالله لا يؤمن بالآخرة إيمانا صحيحا ، ولا يدين دين الحق ، وان خيل اليه انه من المؤمنين بالآخرة ، والمتدينين بالحق ، لأن الإيمان بالله هو الأصل ، وما عداه فرع ، أي انه يؤمن بالآخرة والدين اللذين لا عين لهما ولا أثر إلا في خيالهم ، كقولهم : لا تمسنا النار إلا أياما معدودة .. وهذا هو الدين الذي يصدق فيه قول من قال : ان الدين من صنع الوهم والخيال ، وانه يبتعد بصاحبه عن حقيقته وواقعه.