في شأن التهمة التي سجن من أجلها ، فاهتم الملك ، وأحضر النسوة و (قالَ ما خَطْبُكُنَّ إِذْ راوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حاشَ لِلَّهِ ما عَلِمْنا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ) .. هذا اعتراف جازم قاطع لكل شبهة ، لأنه من الخصم بالذات .. حاشاه من السوء .. انه لمن الصادقين .. وهكذا تتجلى الحقائق ـ وان طال بها الزمن ـ ويستسلم لها أهل الضلالة مرغمين ، حيث لا مجال للفرار والإنكار.
(ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ). اختلف المفسرون في هذه الآية ، فمن قائل انها من كلام يوسف (ع) ، وان المعنى اني طلبت التحقيق مع النسوة ليعلم العزيز اني لم أخنه في زوجته حال غيابه. ومن قائل : ان الآية من كلام امرأة العزيز ، ونحن مع هذا القائل عملا بظاهر السياق من اتصال بعض الكلام ببعض ، وعليه يكون الضمير في لم أخنه ليوسف ، ومرادها بعدم خيانته انها لم تذكره بسوء مدة غيابه في السجن حتى هذه الساعة ، أما إحالتها الذنب عليه حين قالت لزوجها ما قالت فقد كان ذلك بحضور يوسف ، لا بغيابه (وَأَنَّ اللهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَ) بل يفضحهم ويهتك سترهم ، وينصر المؤمنين عليهم ، تماما كما فضح النسوة ، ونصر يوسف : (وَأَرادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْناهُمُ الْأَخْسَرِينَ) ـ ٧٠ الأنبياء».
(وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا ما رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ). الإنسان حيوان عاقل ومتدين ، فهو بحيوانيته أو بنفسه الأمارة يميل الى الشهوات والملذات ، لا يبالي بعقل ولا بدين ، وهو بدينه وعقله يرغم نفسه على الوقوف عند حدود الشرع والعقل إذا حاولت تجاوزها والانحراف عنها .. ومن أطلق العنان لنفسه تعمل ما تشتهي وتريد فهو حيوان في صورة انسان ، بل الحيوان خير منه لأنه غير مسؤول عن شيء ، ولذا قال تعالى : (إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً) ـ ٤٤ ـ الفرقان». أجل ، قد يضعف الإنسان بعض الأحيان أمام نفسه وشهوته ، ولكن المؤمن العاقل يعود بعدها الى رشده ، ويتوب من هفوته ، فيغفر له ، ويصفح عنه لأن الله غفور رحيم.
وقوله تعالى : (إِلَّا ما رَحِمَ رَبِّي) معناه ان النفس ، آية نفس لا تسلم من العيوب الا نفسا عصمها الله من الخطايا والذنوب كنفوس الأنبياء والأئمة الأطهار .. والمهم ان لا يصر المذنب على ذنبه ويعرض أبدا عن ربه. قال الإمام علي (ع) : أشد الذنوب ما استهان به صاحبه. أي أصر عليه ، ولم يستغفر الله منه.