وهم في جميع الحالات على الله متوكلون. كما قال سيد الأنبياء وخاتم الرسل (ص) : تدمع العين ، ويحزن القلب ، ولا نقول الا ما يرضي ربنا. (عَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً). وهم يوسف وبنيامين ، والأخ الثالث الذي بقي بجوار أخيه في مصر .. وفي كلمة عسى شعاع من الأمل ، وبالخصوص إذا كانت ممن يؤمن بالغيب إيمانه بالواقع الملموس كالأنبياء والصديقين ، وفي نهج البلاغة : «لا يصدق ايمان عبد ، حتى يكون بما في يد الله أوثق منه بما في يده». وفي هذا المعنى كثير من الأحاديث (إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) يعلم حزني وألمي ، ويدبر الأمور على حكمته.
(وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا أَسَفى عَلى يُوسُفَ). اعتزل الناس ليندب وحده من لن ينساه أبدا ، يندبه بهذه الصرخة الحزينة : (يا أَسَفى عَلى يُوسُفَ) وزاده فراق ولده بنيامين حزنا على حزن ، وبكاء على بكاء (وَابْيَضَّتْ عَيْناهُ مِنَ الْحُزْنِ). أصيبتا بالقرحة من آثار البكاء ، فهو يتنفس منهما بالدموع ، كما يتنفس من رئتيه بالآهات والحسرات (فَهُوَ كَظِيمٌ) يتجرع الغيظ ويتجلد ، ولكن على حساب جسمه وأعصابه.
(قالُوا تَاللهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهالِكِينَ) أي الميتين ، والحرض المرض أو المريض الذي لا ينتفع بنفسه ، والمعنى ان أولاد يعقوب قالوا له : لا تزال تلهج بذكر يوسف ، حتى تمرض او تموت بلا جدوى لأن يوسف ذهب ولن يعود (قالَ إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللهِ) لا إليكم لأن الشكوى لمن لا يدفع ضرا ، ولا يجلب نفعا ذل وسفه. قال الإمام علي (ع) : «الله الله ان تشكو الى من لا يشّكي شجوكم ـ أي يزيل الشكوى ـ ولا ينقص برأيه ما قد أبرم لكم» ..
(وَأَعْلَمُ مِنَ اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ). نكب يعقوب ، وابتلي بفراق يوسف ، ولكنه في الوقت نفسه يحسن الظن بالله ، ويثق به ، ولا ييأس من رحمته ، ويؤمن بأن عاقبة الصبر الفرج ، كما دل قوله لبنيه : «ولا تيأسوا من روح الله» وإذا عطفنا ثقته بالله على رؤيا يوسف في صغره جاءت النتيجة ان يعقوب مطمئن على حياة يوسف الى حد كبير ، ولكنه لا يعلم أين هو؟. وكيف حاله؟.