المعنى :
(ارْجِعُوا إِلى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يا أَبانا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَما شَهِدْنا إِلَّا بِما عَلِمْنا وَما كُنَّا لِلْغَيْبِ حافِظِينَ). هذا قول كبيرهم ، فهو يوصي اخوته ان لا يقولوا لأبيهم الا الحق ، وذلك بأن يخبروه بأنهم رأوا غلمان العزيز يستخرجون مكيال الملك من وعاء بنيامين ، وان العزيز أصر على أخذه .. هذا ما شاهدناه ، والله أعلم بما وراء ذلك ، ولو علمنا الغيب ما سألناك ان تسمح لنا به ، ولا أعطيناك العهد بأن نرجعه اليك ، وقد بذلنا المجهود ، واعذرنا الى الله واليك.
(وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها) أي اسأل أهل مصر ، فقد اشتهر فيهم أمر هذه السرقة (وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنا فِيها) واسأل أيضا القافلة التي جئنا معها من مصر ، فقد رأت ما رأينا ، وهي الى جوارك في أرض كنعان (وَإِنَّا لَصادِقُونَ) فيما أخبرناك ، وهم في هذه المرة يتكلمون بثقة وجرأة لأنهم على يقين من صدقهم على العكس من موقفهم الأول مع أبيهم حين أتوه بدم كذب على قميص يوسف.
(قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً). لما رجعوا الى أبيهم وأخبروه بما حدث قال : كلا ، بل زينت لكم أنفسكم الكيد لولدي ، كما فعلتم من قبل بأخيه يوسف. وتساءل المفسرون : كيف اتهم يعقوب بنيه بالكيد قبل ان يتثبت من الحقيقة ، وهو نبي معصوم؟. ثم أجابوا بوجوه لا تستند الى أساس ، وأحسن الوجوه التي ذكروها على ما فيه ـ ان مراد يعقوب أن أنفسكم صورت لكم ان بنيامين سارق ، وما هو بسارق .. وفي رأينا ان يعقوب اتهمهم بالكيد قياسا على صنيعهم مع يوسف ، ولكنه لم يجزم بقول قاطع لعدم الدليل على كذبهم ، وأيضا لم يأخذهم بالظن من حيث العقوبة لأن الظن لا يغني عن الحق شيئا .. وهذا لا يتنافى مع مقام النبوة ، لأن النبي لا يعلم الغيب ، وهو كأي انسان يحتمل ويظن ، والفرق بينه وبين غيره انه لا يرتب أثرا على ظنه كما يفعل غير المعصوم.
(فَصَبْرٌ جَمِيلٌ) قال هذا حين غاب عنه بنيامين ، ومن قبل قال حين غاب يوسف : (وَاللهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ). هذا هو شعار الصالحين ، يحزنون ،